النقّاد النسَّابة

ثقافة 2021/01/12
...

د.أحمد الزبيدي
لو لم ينبش الغربيون الرمال لبقي (النفط) بِكْرًا.. ولو لم ينقذ المستشرقون لك كتاب سيبويه، لكان حالهُ حالَ الكتب المرثية والمؤرشفة في أعماق دجلة والمغول، ولا يختلف عجز العقل العربي عن اكتشاف كنوز ثرواته المعرفية والثقافية وبناء نظريات فلسفية ومعرفية عن عجز اكتشاف النفط. 
وما زال العربي ينتظر الغذاء الغربي لينمّي ذاته، ولا قدرة له على الصناعة الداخلية الواعية أو على استنطاق طاقاته استنطاقا معرفيا وذاتيا، فحين تنبثق نظرية وتخلق منهجا في الدراسات اللغوية والنقدية والأدبية عند الغرب، ينتفض (الناقد) من أبناء الجلد الواحد: إن هذا الذي يفتخر به الغربي موجود في (تراثنا العربي)، وقد قاله الجاحظ قبل أكثر من ألف سنة! وتبيّن أن البنيوية أصلها الجرجاني وثنائيات سوسير مدّخرة عند سيبويه والحِجَاج موجود بعينه عند البلاغيين القدماء. 
ولكن ما الضير؟ لمَ لا نشعر بالطمأنينة لما يؤكده (أهل الأنساب)؟ فهم حريصون على تأصيل (هويتهم الثقافية) والمعرفية، وغارقون في الغيرة على تراثهم، ولست ضد هذا التأصيل والتنسيب، ولكن لحظة (الاستيراد) المنهجي هي لحظة (ترجمة) لا غير، وليست تحولا ثقافيا منتظما ومؤسساتيا بحيث تشكل وعي عربي جديد شعر بالحاجة إلى التحول المنهجي واكتشف النسق التسلسلي للوعي المعرفي وتحولاته الثقافية داخل منظومته المعرفية. 
فالبنيوية في الغرب، التي ولدت فلسفة ومعرفة ومتنًا ثقافيا صارت الحداثة رهانًا مهما في المناظرة التاريخية، عندما فرضت البنيوية فكرة أن التأريخ مكون من انقطاعات أكثر مما هو من استمراريات، وحين تفتقت التفكيكية وظهرت ما بعد الحداثة، فإن النسق الاقتصادي وتركيز التعامل على (المستهلك) هو جزء من نظام تحول الوعي وتطور أساليب المعرفة المنتظمة والمتناسقة مع الظواهر
 الكلية. 
وحين تفشّت تلك المناهج في الثقافة العربية جاءت كنوع من التجديد الذي حبّذته (الذائقة) النقدية أكثر مما هو تناسق، مع تحولات ثقافية واجتماعية واقتصادية وفلسفية عربية، والغريب في الأمر أن الموضوع قد تجاوز المنافسة القومية إلى المنافسة القطرية. 
فحين أعلن الغذامي مشروعه عن النقد الثقافي ولمح إلى مرجعية علي الوردي، هبّ النسابة ليعلنوا أن الوردي هو شيخ النقاد الثقافيين، وما أجمل الغيرة النقدية، ولكن أين كنتم عنه قبل (الغذامي)؟ هل كنتم على وعي بـ(وعيه النقدي)؟ هل كنتم ذاكرين له في دراساتكم؟ أم أن (وعي) الغذامي (السعودي) هو من استفزّ (النّسب) العراقي؟!