كولاج تأويل النقديّة السرديّة في ذي قار

ثقافة 2021/01/12
...

علي شبيب ورد
 
إن سفر الذاكرة النقدية السردية عامة، وفي ذي قار خاصة، مرّ بتضاريس متنوعة بين البساطة والوعورة، تبعا لما مر به سفر المنجز السردي، من تحولات وتداعيات تطور وخصب، وفي اسهامتنا هذه، نسعى الى الكشف عن تضاريس سفر الذاكرة، وفق ثلاثة كولاجات تأويلية. 
كولاج أول
سنحاول الخوض في سفر المشهد النقدي في ذي قار، على الرغم من صعوبة حصولنا على وثائق ساندة لمسعانا هذا، خاصة خلال مرحلة الريادة، كونها من المدن البعيدة عن العاصمة تلك التي توفرت على مؤسسات نقدية واعلامية مركزية، مكنتها من الوقوف على أهم الملامح النقدية الريادية في بغداد بذاكرتها المركزية، بينما رزحت المدن البعيدة (الهوامش) ومنها ذي قار، تحت نير الاهمال والاقصاء المتعمد وغير المتعمد، وهذا ما حوّلها لمدن طاردة لابنائها المبدعين ومنهم النقاد. والذين تمكن أغلبهم من انضاج تجاربهم الابداعية والنقدية داخل العاصمة أو خارج العراق. الريادة النقدية كانت تتسم بالاداء الوصفي والانطباعي والوعظ القيمي والأيديولوجي، غير المنتج جماليا على المستويين العلامي والدلالي. ويمكن لنا الاشارة الى بعض أسماء الادباء الرواد الذين ساهموا في بواكير الكتابة النقدية المتصدية للمنجز الابداعي وبكل تجنيساته آنذاك. وهم: محمد حسن آل حيدر، مظهر اطيمش، كاظم جواد، عناية الحسيناوي، صبري حامد وسواهم.
ومع الزمن تطورت الكتابة الابداعية (الشعرية/ السردية/ النقدية) فتعامل النقد مع تمظهرات وتحولات المناهج النقدية، فتقارب وتباعد النقاد مع بعضهم البعض. ونتج عن ذلك ظهور اسماء من النقاد تباينوا في مستويات تعاملهم مع المناهج، وخزينهم المعرفي المنتج لخصوبة التأويل، والذين أكملوا ما بدأه النقاد الرواد، في فحص ودراسة النصوص الابداعية بشتى تبايناتها الاجناسية، منهم: صلاح نيازي، ريسان سمير العسكري، عبد الرحمن مجيد الربيعي، حسين الهلالي، عزيز السيد جاسم، أحمد الباقري، محسن جاسم الموسوي، محسن اطيمش، ضياء خضير، جاسم عاصي، خالد الأمين وغيرهم.
 
كولاج ثانٍ
ليس بمقدورنا الجزم على أن المغايرة النقدية حسمت الأمر لصالحها على حساب المماهاة النقدية، لأنهما تتواصلان في حراكهما كمتلازمتين متنافستين، تثبت احداهما وجود الأخرى. ففي كل زمن وعلى مرّ سفر الذاكرة الثقافية، نشهد صراعا متواصلا ومنتجا، بين القديم (المماهاة) والجديد (المغايرة) وهذا الصراع عادة ما يتسم بالمد والجزر لكليهما، وما يتعلق بالنقد القصصي والروائي في ذي قار، فاننا نرى أن نقدية (المماهاة) ظلت محافظة على سمتي الوصفية والانطباعية، بينما نجد أن النقدية التي خرجت من رحمها، أي (المغايرة) حاولت التعرف والاقتراب من المناهج النقدية الغربية. مما خلق تحولا جديدا في التعامل مع النص السردي، وهذا النقد المغاير فرضته التحولات المتواصلة في كتابة النص السردي، لأنه سابق للاحقٍ، هو النص النقدي. ولا يمكن لنا باي حال، أن نضع حدا فاصلا دقيقا بين المماهاة النقدية والمغايرة النقدية، وذلك لتداخل الأجيال النقدية مع بعضها البعض.
الاشارة هنا، الى أن المغايرة النقدية في زمن ما، تحولت لمماهاة نقدية في زمن آخر، وهكذا هي سنة الحياة، لا يبقى الجديد جديدا على الدوام. فنقاد المغايرة الذين انفتحوا على المناهج النقدية الغربية، تحول بعضهم عبر الزمن، لنقاد متشبثين بصرامة المناهج النقدية ومنساقين لجبروتها. بينما جاءت أجيال نقدية جديدة، تبنت مغايرة نقدية أحدث، عبر الافادة من المناهج بما يخدم رؤاهم النقدية للنصوص السردية، وعدم الركون لمقاييس وتصورات وثوابت مسبقة مستلة من المناهج، بل تعاملوا مع النصوص وفق نظرة غير تعسفية ولا تفرض مسلّماتها على النصوص. ولأن النقد يشتغل على النصوص في متغيرات ابنيتها وتحولات منظومات مثولها أمام المتلقي، فانه حتما واصل المغايرة عبر جدلية النقض التي لا تقاوم. إن النقد القصصي هو السائد والبارز قبل عام 2003، لشيوع الكتابة القصصية آنذاك، وقلة الاصدارات الروائية الجادة، الناجية من قبضة المؤسسة القمعية للنظام، بينما بعد عام 2003 ساد وهيمن وتميز النقد الروائي، جراء الحضور الملفت للاصدارات الروائية كمّا ونوعا، وهذا ما فرض على النقد التزود بخزين معرفي ذي كفاءة عالية لمواجهة عوالم السرد الروائي المستلة من عوالم الواقع الغرائبي واللامعقول في احداثه الكارثية وتداعياتها المهولة. وبذلك فان المخيال السردي القصصي والروائي بخصوبته الاتصالية المذهلة، أنتج مخيالا نقديا دائم التحول والمغايرة على مستوى الدرس الاكاديمي، ومستوى النشر في وسائل الاعلام
 المتنوعة. 
نذكر هنا مجموعة من النقاد كتبوا ومازالوا يكتبون النقد عن المنجز القصصي والروائي، رغم اختلاف مستويات اهتمامهم، وهم: داود سلمان الشويلي، علي شبيب ورد، أياد خضير، كاظم جهاد، شوقي كريم حسن، حسن عبد الرزاق، نعيم عبد مهلهل، خضير فليح الزيدي، محمد خضير سلطان، ابراهيم سبتي، عقيل هاشم، علي لفتة سعيد، وجدان عبد العزيز، جبار وناس، د. عواد كاظم الغزي، د. ياسر البراك، فارس نايف الفايز، د. احمد حيال جهاد، عمار ابراهيم عزت، عباس منعثر، احمد ثامر جهاد، د. ضياء غني لفتة العبودي، مسار حميد الناصري، صفاء ذياب، د. هادي شعلان البطحاوي، أمجد نجم الزيدي، حيدر الشويلي، رائد جميل، نور على الرماحي، د. ميثم هاشم طاهر، ضرغام عدنان صالح، محمّد فاضل المشلب، شامل عبد اللطيف، محمد حاجم. 
 
كولاج ثالث
لا شك أن التداخل الاجناسي بين الفنون (الادبية/ غير الادبية) فتح ابوابا واسعة جديدة ومتغيرة على الدوام، أمام المنجز السردي (قصة ورواية). وهذا بدوره انسحب حتما على النقدية السردية في ذي قار، لان النقد الآن ما عاد وصفا للمجريات داخل النص وخارجه. بل تحول الى منظومة فاحصة لكل آليات المنظومة الاتصالية للنص، والبحث عن كل مغذياته المرجعية، عبر انفتاحه على ما قبله وما بعده وما حوله من أجناس أخرى، كما أن النقد الآن عزز خزينه المعرفي، بما يخدمه من درس جاد للفنون المجاورة للأدب (تشكيل/ مسرح/ اذاعة/ تلفزيون/ سينما) وكذلك وسائل الاتصال الالكترونية، بما تقدمه من خدمات مدهشة له، حيث سرعة الحصول على النص السردي وعلى المصادر، وسرعة النشر والتسويق وسواها من
 الخدمات. إضافة للمحاولات النقدية الجادة، الافادة من العلوم التطبيقية بكل تنويعاتها، وكذلك ما توصلت إليه محاولات النقد الثقافي من كشوفات منتجة، في تخصيب نصوص تأويل ما بعد القراءة. إن تناصات المنجز السردي (قصة ورواية) مع المرجعيات والمجاورات الفنية والثقافية والميديا، دفعت بالنقدية السردية عموما، والذيقارية تحديدا، الى مد مجساتها الفاحصة للنصوص السردية من جانب، والى اغناء كشوفاتها الرؤيوية بأسانيد منهجية من جانب آخر. والنقدية السردية في ذي قار الآن، شهدت تحولا ملموسا في حضور وفعالية الدرس الأكاديمي في جامعة ذي قار وسواها، فبرز جيل من النقاد نتيجة ظهور جيل من الكتاب السرديين وخاصة في الرواية، التي تعيش عصرها الذهبي، اضافة الى ما سبقهم من اجيال نقدية نشرت منجزها الفاحص لمجمل المنجز السردي الذي أثبت حراكه الفعال، على مستوى القصة عموما والرواية تحديدا. 
نرى أن أثر الفنون المجاورة، في تطوير آليات كتابة القصة والرواية، ينسحب حتما، على تطور النقد السردي في ذي قار. حيث شهد النقد محاولات حثيثة من هنا وهناك، للإفادة من الطاقات الكامنة في الفنون البصرية، والأدائية، والميديا، وتقنية المعلومات الألكترونية، وسواها في منح الكتابة السردية قدرات متجددة، على عرض مفاتنها الجمالية خلال عملية الاتصال والتلقي، لذا فالنقد السردي، مد مجساته المنقبة في النصوص السردية، والكاشفة عن علاقتها بالفنون. فهناك المجس التشكيلي والمسرحي والسينمائي وغيرها من مجسات مؤولة لتلك العلاقات التناصية بين الفنون والنصوص على مستوى البنى السيميائية
 والدلالية.