شريعتي بعيون حداثيـة

آراء 2021/01/12
...

 أحمد حميد 
 
 
 
في خضم القراءات المختلفة للمنظر والباحث الإسلامي علي شريعتي، المتفقة على تكدس أفكاره وعدها بالمتخلفة عن روح العصر، لاسيما بعد صعود نجم الراديكاليات الدينية في المنطقة، تطرأ على سطح الجدليات المعاصرة، قراءة مغايرة لهذا المفكر الاستثنائي، إذ تعده هذه القراءة، بمثابة التوجه الأكثر فاعلية في ميادين التنوير الإسلامي عامة والشيعي خاصة، ولا شأن له بالتنظيرات الراديكالية للخطاب الإسلامي.
ومن القراءات الجديدة نقلتْ لنا أفكاره من معينِ لغتهِ الأم، وإسباغها برويّةٍ عالية على المزاج العربي بلغةِ الضاد الواضحة. هو ما جاء في كتابـيّ شريعتي «الصحراء» (كتاب فاز مؤخراً بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي) و «ثالوث العرفان والمساواة والحرية»، اللذين حمّلا بصمة المترجم حسن الصراف. 
الكتابان حظيا بتمايزٍ واضحٍ عن بقية كُتب ونتاجات شريعتي، لكون معظم إصدارته الماضية خلت من المنهجية الواضحة وعمدت على ترجمة محاضرات المفكر الإيراني، من دون تركيبٍ لغويٍّ صحيح أو ترتيبٍ فكريِّ يتساوق و ما يرنو إليه الكاتب، ناهيك عن الإصدار والتقديم الخجول لمعظم تلك النتاجات، وذلك يُعزى إلى تلقي بعض المترجمين لمنهج شريعتي عبر التسجيلات الرثة، من دون الولوج إلى بيئتهِ ومواطن معارفه، الأمر الذي اختلف كلياً في كتابيهِ الأخيرين. الذي سعى الصراف إلى تصديرهما بعينٍ فاحصة، تواكبُ الحداثةَ والتجديد، كاشفةً لنا عن اختمار أفكار المؤلف في لغة المترجم الطيّعة، لخص المترجم منهج المفكر الإيراني إلى ثلاثةِ أنواع ومستويات فكرية، فضلاً عن الجهات المخاطبة في تلك المنهجية، حيث يقسم مؤلفات شريعتي إلى (الاجتماعيات) الكامنة في نتاجاتهِ في علم الاجتماع الديني، و(الإسلاميات) وهي أفكاره الناقدة للموروث الإسلامي التقليدي، إلى جانب (الصحراويات) وهي مذكراته الشخصية وتأملاتهِ الفلسفية و العرفانية، والأخيرة تمثل انفرادة حسن الصراف بخصوصية شريعتي على بقية المترجمين له. 
أما في كتاب (ثالوث العرفان والمساواة والحرية) وهو الكتاب الذي يجابه به شريعتي، ثالوثاً آخر وهو ثالوث (المال والسلطة والخداع)، إذ مثّل الثالوث الأخير كما يصفهُ الصراف في مقدمة الكتاب، أحد أهم المحاور في هموم شريعتي وآلامهِ وقلقه، وتضمن الكتاب تصوراً واسعاً عن الدين والعرفان، ويقدمُ مقاربةً لافتةً للنظرية الاشتراكية والنظرية الوجودية، مستخلصاً المشتركات الفكرية المتجذرة في هاتين المدرستين، وفي نهاية هذا الثالوث، حاول الصراف تصدير قابليات شريعتي السردية في مجال أدب الطفولة من خلال ترجمةِ نصٍّ قصصيٍّ، كان بمثابة تمرين للبدء بمخاطبة الأطفال بالقضايا الفكرية والمصيرية، وقد ضمن في نصهِ البسيط قراءة مميزة وملفتة عن
 التوحيد.
 إذن علي شريعتي بنتاجٍ جديد للقرّاء العرب، عبر ترجمةٍ فاهمةٍ لروحيتهِ وفلسفتهِ في الميدان الفكري العام، فضلاً عن دعمِ أسرتهِ لجهود المترجم الشاب بكل ما يحتاجه من إسنادٍ وثائقي ومعرفي، خدمةً للذهنية العربية ولمشروعه
 المعرفي.