عبد الحليم الرهيمي
باهتمام بالغ تناول قادة دول الخليج واعلامها بشكل لافت انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي التصالحية، لاسيما بين السعودية والامارات والبحرين ومعهم مصر من جهة وقطر من جهة اخرى، وذلك بعد أن قطعت العلاقة بينهم لأكثر من 40 شهرا، اي منذ الخامس من حزيران العام 2017 حتى الخامس من كانون الثاني الحالي، اذ التأمت هذه القمة الـ41 في (قاعة المرايا) الأثرية بمحافظه العلا شمالي غرب السعودية، وحضرها جميع اعضاء المجلس ومن ضمنهم بالطبع امير دولة قطر اضافة لمصر.
وقد عقدت هذه القمة في الوقت التي تتصاعد فيه حدة التوترات الأمنية والسياسية في المنطقة، لاسيما احتدام الصراع الاميركي الايراني وانعكاسات كل ذلك على الأوضاع في العراق، وبذلك فان انعقاد هذه القمة وبمثل هذه الظروف والاوضاع، يضاف سبب مهم اخر هو اهتمام العراق بهذه القمة بمخرجاتها ودلالاتها، والتي يمكن الرهان في الاستفادة من آثارها الايجابية في العراق، عبر الارتقاء بعلاقاته البينية مع كل دولة ومع المجلس الى مستويات اعلى واوسع بعد الانتهاء المتوقع للتوترات والمقاطعة بين دوله.
لذلك يمكن القول، انطلاقا من ذلك، ان العراق ابدى رغبته الدائمة بإقامة أفضل العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والامنية مع دول المجلس، وجرى التعبير العملي الى حد كبير عن هذه الرغبة، فقد رافقتها ايضا الرغبة الجادة بالانضمام الى المجلس كعضو رئيس وفعال فيه، فضلا عن كون العراق يقع اساسا على شاطئ الخليج، الذي اتخذ المجلس منه اسمه (الخليجي) .
ومن هنا جاء ترحيب العراق الرسمي بلسان وزير الخارجية، بهذه القمة للمصالحة الخليجية في محافظة العلا، فضلا عن ترحيب جهات سياسية عراقية اخرى بهذه القمة، التي اشاد بها ابتداء وبقوة القادة الخليجيون انفسهم.
ان هذا التطور المهم والتصالحي بين دول (مجلس التعاون الخليجي) والذي سيمكنه من اتخاذ القرارات المناسبة لتطويره وتعزيز دوره كمنظمة اقليمية، سيكون كما يتوقع، اكثر اهتماما وترحيبا في الاستجابة لرغبة العراق في الانضمام، لعضويته لمصلحته كمنظمة اقليمية ولمصالح دوله ومصالح العراق في الوقت نفسه، واذا كانت ثمة أسباب ومبررات حالت دون انضمامه ابان النظام الدكتاتوري السابق، والى عدم استقرار الأوضاع أمنيا وسياسيا بعد العام 2003، فقد أصبحت الظروف الآن مهيأة، كما يعتقد، اكثر من السابق ليكون العراق الدولة السابعة المهمة والفعالة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اذ تفرض ذلك المصالح المشتركة و المتشابكة على مختلف الصعد بين العراق ودول
المجلس.
ففضلا عما يمثله العراق بذاته من وزن اقتصادي وسياسي وأمني و ثقافي وموقع جيوسياسي، فانه يمكن ان يشكل ايضا مرتكزا وسطيا رابطا بين دول المشرق العربي، والتي جرى التعبير عنها في رؤية(ستراتيجية المشرق العربي الجديد) التي دعا اليها رئيس مجلس وزراء العراق في قمة عمان الثلاثية التي عقدت في 25 من شهر اب العام الماضي، وضمت قادة كل من العراق ومصر والاردن . ويستطيع العراق من موقعه هذا اذا ما انضم، الى مجلس التعاون، ان يربط بين هذا المجلس ودوله مع دول قمة عمان الثلاثية، لتشكل مجلسا او تكتلا اقليميا عربيا متكاملا لدول (المشرق العربي الجديد)، لاسيما ان للعراق علاقات جيدة ومتطورة مع دول مجلس التعاون، خاصة مع السعودية، اذ شهدت علاقته معها تطورا مهما على مختلف الصعد بدءا من شهر تشرين الاول عام 2017 والتي كان ابرزها تشكيل(المجلس التنسيقي العراقي السعودي) ومن ثم تأسيس (لجنة الحوار الستراتيجي المشترك) في شهر اذار عام 2019 ، فضلا عن تطورات اقتصادية وسياسية وثقافية التي شهدتها العلاقات بينهما في المدة الاخيرة، وتمثلت بتوقيع عشرات الاتفاقيات و مذكرات التفاهم على مختلف الصعد الاقتصادية، الصناعية والزراعية، والثقافية الواعدة.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إن ترحيب العراق بقمة المصالحة الخليجية بقاعة (مرايا العلا) بالسعودية من ثم تجديد وتفعيل رغبته الدائمة للانضمام لمجلس التعاون في دول الخليج العربيه، سيمثل كل ذلك نقلا لرؤية(استراتيجية المشرق العربي الجديد) من الدعوات النظرية والامنيات، الى واقع عملي بجهود ومساعي الجميع ولمصلحة بلدان هذا المشرق وشعوبه.