ما زال علم الاجتماع وعلاقته بالمفاهيم الثقافية محط اهتمام النقاد والقراء على حدٍّ سواء، لما لهذين المجالين من ارتباط دائم، فتأثير المجتمع بالثقافة وتأثير الثقافة بالمجتمع تبادلي من دون انفكاك، وهذا ما جعل النقاد يولون اهتمامهم بهذا المجال، حتى برز علم يجمع بينهما سمي بعلم الاجتماع الثقافي، فضلاً عن النقد الاجتماعي، وغيرهما من العلوم والمناهج النقدية التي درست علاقة الاجتماع بالثقافة.
وفي هذا المحور صدر عن المركز القومي للترجمة كتاب مهم بعنوان (مقدمة في علم الاجتماع الثقافي)، جاء بتأليف سبعة نقاد ثقافيين، هم: لي باك، أندي بينيت، لورا ديسفور أيدلز، مارجريت جيبسون، دافيد إنجلز، رونالد جاكوب، إيان وودورد. وترجمة سامية قدري. ويشير تصدير الكتاب، إلى أن هؤلاء النقّاد يؤمنون بأنه بات من الضروري أن يوجّه الاهتمام للعمليات الثقافية بوصفها العنصر الأولي لأي تفسير اجتماعي. فضلاً عن ذلك، فقد التزم المؤلفون بتطوير علم الاجتماع الثقافي؛ الأمر الذي يعني أنهم أعطوا وزناً كبيراً لمجالات الحياة الاجتماعية وجوانبها، لاسيّما تلك التي لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل الأجيال السابقة من المشتغلين بعلم الاجتماع.
ويأتي الاعتقاد بقيمة علم الاجتماع الثقافي من تفسيره للكثير من القضايا مثل الانفعالات، والتأثير، والخطاب، والسرد، والانعكاسية، والأسس المرئية المادية للحياة الاجتماعية بوصفها عوامل حاسمة للخبز الاجتماعية. كما أن الاعتقاد بأهمية علم الاجتماع يكمن في إدراك أن الثقافة لا يمكن أن تغفل الجوانب الأخرى من التفسير الاجتماعي أو أن يتم تفسيرها في ضوء عوامل من قبيل الاقتصاد والأيديولوجيا على سبيل المثال.
قسّم هذا الكتاب على أربعة أجزاء، أطلق على الجزء الأول (النظرية والمنهج)، ليضم: بداية كتابة تاريخ الحياة الراهنة: الثقافة وعلم الاجتماع، وتعريف علم الاجتماع الثقافي، والقضايا المنهجية في علم الاجتماع الثقافي. وضم الجزء الثاني (الهويات الثقافية الجديدة): الطبقة، والثقافة والفروق الاجتماعية، النوع الاجتماعي والجنسانية، والعنصرية والعرق والتمييز، وأجساد وهويات. في حين تشكل الجزء الثالث (الأيديولوجيا المجزّأة) من: السياسة والثقافة، العولمة، الثقافة والدين. وبني الجزء الرابع (وقت الفراغ ونمط الحياة) من الفصول التالية: الموسيقى الشعبية: المكان والهوية والمجتمع، ومنطق الموضة والاقتصاد الثقافي: القوّة الاجتماعية للذوق والجماليات والأسلوب، والطعام.. الأكل والثقافة، وأخيراً: وسائل الإعلام.. الثقافة والحياة العامة.
ويبين الكتاب، بأنه في الوقت الذي أصبح فيه علم الاجتماع الثقافي مجالاً مهماً للغاية، فإن هناك طرقاً مختلفة لتطبيق مدخل علم الاجتماع الثقافي، وهو ما أعطى اعتقاداً للمؤلفين بدراسة الثقافة والقوى الثقافية والعمليات الثقافية كآليات لفهم المجتمع.
وبقراءة الكتاب، سنجد اختلافاً واضحاً بين (الدراسة السوسيولوجية العامة للثقافة) وبين ما نطلق عليه (علم الاجتماع الثقافي)، فالأول يمكن اتخاذه للإشارة إلى الاستخدام الفعلي واسع النطاق للمناهج والمفاهيم الاجتماعية في دراسة الظاهرة الثقافية، بينما يشير الثاني إلى الاعتقاد في أن المداخل الاجتماعية تتطلب إجراء إصلاح مفاهيمي ومنهجي أكثر تنظيماً لتفسير الطريقة التي يعمل بها المجتمع
المعاصر.