المسؤولية القانونية عن النشر الالكتروني

آراء 2021/01/13
...

    القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي

من الحقوق الرئيسة المسلم بها لأي انسان في القانون حرية الرأي والتعبير، التي تعد بدورها المرآة العاكسة لرأي المجتمع وتطلعاته، وبها يقاس تقدم الأمم من عدمه، إذ لا فكر ولا إبداع بلا حرية وقد نص الدستور العراقي النافذ لعام 2005 في المادة (38) على حرية الرأي والتعبير، اذ تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام و الآداب حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر، فوسائل التعبير تتعدد بحسب الوسائل المستخدمة للإدلاء بالرأي، سواء كانت صحفا ام وسائل اعلام مقروءة ام مسموعة ام مرئية.

ومن ابرز الوسائل التي بدأت بالانتشار يوما بعد اخر الشبكة العالمية الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، اذ اصبحت الوسيلة الاكثر انتشارا، اذ يحق لكل شخص ان ينشر ما يشاء من اخبار ومعلومات واستعمال هذا الحق للإساءة  للآخرين  في صفحته الشخصية، لأن هذا الحق مكفول في جميع الدساتير، ولكن بشرط عدم التعسف فيه، وظهر مصطلح الصحافة الالكترونية والمدونات والتي اتسمت بسرعة الانتشار.
وبالرغم من ان هذه الوسائل الالكترونية اسهمت بشكل مباشر في تعزيز حرية التعبير عن الرأي، الا انها لم تسلم من الاستغلال والسلوك الاجرامي لانتهاك خصوصية الافراد والتشهير بهم، وان وجود الحريات في الدستور امر غير كاف، بل يجب ان تكون هناك قوانين تنظم تلك الحريات وتحميها من الانتهاكات في ظل غياب التشريعات القانونية لتنظيم النشر الالكتروني، اذ يحتاج الامر الى الرجوع للقواعد العامة في القانون، وهذا نقص تشريعي يتوجب على المشرّع  ايجاد قوانين خاصة من اجل صيانة حقوق الافراد من جهة والمحافظة على حرية الرأي والتعبير من جهة اخرى، اذ اصبح النشر عبر المواقع الالكترونية يتفوق على جميع وسائل النشر، والمشرّع العراقي لم يعرف النشر، بل تطرق الى بعض تطبيقات النشر في بعض القوانين  مثل قانون المطبوعات وقانون تقاعد الصحفيين وقانون حماية حق المؤلف، ويمكن تعريف النشر الالكتروني بأنه استخدام الوسائل التقنية الحديثة في بث او استقبال او نقل المواد المكتوبة والمرئية والمسموعة، سواء كانت ثابتة او متحركة بقصد التداول العام، وتطرح المواقع الالكترونية خدماتها امام المستخدمين عبر شبكة الانترنت، اذ يمكنهم من خلالها بث ما يشاؤون من المحتوى الالكتروني وقد تكون المواضيع المطروحة، ذات طابع عام وموجهة الى الجمهور، او قد تكون مواضيع ذات طبيعة خاصة موجهة لشخص محدد، وان من اهم وابرز الصعوبات، التي تواجه التنظيم القانوني للمسؤولية القانونية المدنية والجزائية للناشر الالكتروني هي طبيعة تلك المواقع الالكترونية، اذ يستطيع الناشر استخدام الاسماء الوهمية والمستعارة في منشوراتهما، بالرغم من ان جميع المواقع الالكترونية تطلب الكثير من البيانات مثل الاسم وتاريخ الميلاد والجنس والبريد الالكتروني ورقم الهاتف، اذ تكون لكل شخص هوية تعريفية، وتعد هذه الهوية هي الشخصية القانونية، الا انه من الممكن للأشخاص الدخول الى المواقع الالكترونية بإدخال بيانات غير صحيحة والسبب في ذلك عدم وجود رقابة من قبل اصحاب هذه المواقع على البيانات، التي يتم ادخالها عند التسجيل في الموقع وان تطبيق القواعد العامة للمسؤولية المدنية عن النشر الالكتروني، يعد من اهم الصعوبات، التي تنظم المسؤولية القانونية، نظرا لاختلاف القواعد القانونية المنصوص عليها في القانون المدني عن قواعد المسؤولية عن النشر الالكتروني، وان قانون المطبوعات العراقي النافذ يتعلق بتنظيم النشر في الصحف والمجلات وغير قابل  للتطبيق على غيرها من وسائل النشر، وبعد صدور الامر 65 لسنة 2004، لم يتم تنظيم المسؤولية عن النشر الالكتروني ويعد ذلك تناقضاً مع احكام القسم (4) من الامر نفسه، الذي اشار الى ان من اهداف هذا الامر تشجيع التطور في الاعلام الالكتروني وفي شبكات الاتصالات، من اجل تحقيق اكبر قدر من المنفعة لجميع المقيمين في العراق وبسبب التطور السريع، الذي يحصل في هذا المجال والتنوع الحاصل في استخدام هذه المواقع تنبثق حاجات مجتمعية، تتطلب توفير الحماية القانونية لها ووضع اطار قانوني ينظمها، ولحل هذه الاشكاليات وتذليل كل هذه الصعوبات يتوجب على المشرّع العراقي، أن يقوم بتشريع قانون خاص ينظم النشر الالكتروني وتتعدد صور الجرائم التي ترتكب من خلال النشر الالكتروني ومنها السب والشتم والقذف والتشهير، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وان حق النقد والتعليق على الظواهر المجتمعية من اجل توعية المجتمع وليس الهدف منها التسقيط، ويجب الالتزام بشروط النقد الهادف والبناء ومنها ان تكون الواقعة محل الانتقاد تخص المجتمع أي تتعلق بالمصلحة العامة، ولا تتعرض لحياة الأفراد، وتتمثل المصلحة العامة بجميع الامور التي تهم حياة الناس العامة، مثل عمل المؤسسات العامة او الواقع الصحي او التعليمي للدولة، ولكن يجب ان يكون في حدود عملهم المؤسساتي وعدم التعرض لحياتهم  الشخصية، كما تبرز مسؤولية معيد النشر، وهو الشخص الذي يتفاعل مع المنشور عن طريق اعادة نشر المنشور على صفحته الشخصية ومسؤولية صاحب التعليق على المنشور.