في غياب التنوير العربي

آراء 2021/01/13
...

    علي المرهج

هناك مجموعة أسباب داخلية، وآخر خارجية، هي الاحتلالات المستمرة، التي أنهكت المجتمع وفككت بنيته، وهذا العامل معروف وكُتب عنه الكثير، أما العوامل الداخلية، فهي:
ـ عامل سياسي واجتماعي وتربوي مرتبط ببنية المجتمع العربي والإسلامي، القائمة على النمط البطريركي (الأبوي)، الذي يعتمد نظام الوصاية في التربية الأسرية والتربية السياسية القائمة على أساس أن هناك راعيا وهناك رعية، والرعية تسير وفق ما يريده الرعي، وهذا يعني غياب المواطن وحضور الرعية، والرعية لا تتصرف وليست لها حرية اتخاذ الأي بمعزل عن الراعي.
ـ عامل فلسفي مرتبط بطبيعة التفكير الفلسفي الشائع في الثقافة العربية والإسلامية، الذي يشيع الدفاع عن المعرفة التأملية التجريدية، التي تغرق في النزعة المثالية وتغيب الواقع لصالح النظرية، حتى صارت فلسفتنا عبارة عن رؤى وتصورات تكاد تبدو منفصلة عن الواقع وكأن أصحابها يغردون خارج السرب. حتى صارت اللغة الفلسفية لغة معقدة نخبوية لا تجد من يميل إلى التعلق بها ومعرفة طابعها البرهاني، إلا من هو من الخاصة وحتى من خاصة الخاصة.
ـ عامل ديني مرتبط بطبيعة الخطاب الديني بغياب الاجتهاد وتفشي ظاهر التقليد، فضلاً عن سيادة الخطاب الوعظي، الذي يميل إلى مخاطبة الوجدان ودغدغة العواطف واللعب على وتر المجهول، الذي لا يفسره الخطاب العقلي المبني على الرؤية الاستباطية الاستدلالية القائمة على ربط المقدمات بالنتائج، وإنما هو مرتبط بالحل الإيماني القائم على حسن العبادة وسهولة الوصول بها إلى مرامي النص المقدس.
ـ غياب العقل النقدي واتساع مساحة المقدس. وكلما اتسعت مساحة المقدس كلما ضاقت مساحة العقل وضعفت حرية التفكير. وهنا لا  نقصد بالمقدس المقدس الديني فقط، بل يشمل هذا المقدس الاجتماعي والسياسي. وسعي السلطة والمعارضة في المجتمعات العربية للهيمنة على هذا المقدس واحتكار تفسيره.
ـ حضور الخطاب البياني على المستوى الأدبي والثقافي. واتساع مساحة تأثير اللغة في بعدها الأدبي والعاطفي والرومانسي في الشعر(الشعبي والفصيح) والقصة والرواية. حتى وصف أحد المفكرين العرب بأنهم (ظاهرة صوتية). بمعنى أنهم يهتمون بجمالية اللفظ وسجعه وتأثيره الصوتي والبياني أكثر من اهتمامهم بمحتوى هذا اللفظ وبقصدية المعنى. 
ـ سطوة الماضي على الحاضر، حتى قيل عن العربي والمسلم أنه يعيش الحاضر وعيناه مشدودتان للماضي، وبعبارة محمد عابد الجابري إن العرب "كائنات ترثية"، بمعنى أنه يعيش الحاضر ولكنه يتصارع مع ذاته ويختلف في موضوعات لا تمت للحاضر بصلة. يعيش الحاضر ويحمل أثقال الماضي على أكتافه. أي أنه يختزل الحاضر كله والمستقبل في الماضي.
ـ اعتقاد المسلمين بأولوية الأيديولوجيا الدينية على كل ما عداها، بوصفها أحد الثوابت المتواصلة في المهيمنة كلياً على عالم الإسلام، منذ أقدم عصوره وحتى اليوم، بل وسيادة نمط التفكير الدوغمائي وهيمنة البعد العقائدي و(الأيديولوجي) والغاء البعد المعرفي. 
ـ الرضوخ لرؤية الآخر للذات على أنها متخلفة وتحتاج له في إعادة انتاج نفسها، واستطاعة هذا الآخر على بناء قناعة للذات على أن تقدمها ونهضتها مرتبط بمقدار تمثلها وبإيمانها بقدرة هذا الآخر وتقدمه وبتخلف (الأنا) وعدم استطاعتها تحقيق التقدم والنهضة من دون مساعدة الآخر (الغرب).
ـ ضعف المنظومة الأخلاقية، وعدم وجود مفكرين أو فلاسفة أخلاقيين يؤثرون في تغيير ما خربته الأنظمة ومتغيرات الحياة في المجتمع وتفككه، الأمر الذي ساعد على انتصار الخط الديني الوعظي للأخلاق على الخط الفلسفي النقدي.