منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، بدأ القراء والنقاد يطلقون على الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي لقب: صيّاد الجوائز، فقد حصل على عشرات الجوائز في التأليف المسرحي خلال هذه السنوات القليلة، منها: جائزة مجلة الأقلام العراقية الأولى للتأليف المسرحي عن مسرحية (الذي يأتي) عام 1993، وجائزة (أفضل نص مسرحي) في مهرجان البصرة المسرحي عن مسرحية (كوميديا الأيام السبعة) عام 1996، وجائزة أفضل عمل متكامل عن مسرحية ( ثامن أيام الأسبوع) في دولة اليمن 2004، وجائزة (الجيل الواعي) عن مسرحية (مطر صيف) في دولة الكويت عام 2005، وجائزة افضل عمل متكامل في مهرجان الجزائر المسرحي للمحترفين عن مسرحية (افتراض ما حدث فعلاً) في الجزائر 2012، وجائزة التأليف المسرحي التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح عن نصه (فلك أسود) عام 2015، وجائزة أفضل نص في مهرجان المنستير في تونس للمسرح العربي عن نص (واقع خرافي) 2017، والجائزة الأولى الدولية لنصوص المونودراما في الفجيرة بنسختها العربية لعام 2018 عن نص (عد عكسي لخنجر)، وجائزة الدولة للإبداع لعام 2018 وزارة الثقافة في حقل المسرح عن نص مسرحية (أم شارب)، وغيرها الكثير من الأعمال المسرحية، فلا يمر عام إلا ويحصل الزيدي على جائزة محلية أو دولية.
فضلاً عن ذلك فقد أصدر الزيدي خلال هذه السنوات أكثر من عشرة كتب في الإبداع المسرحي.
الزيدي الذي تجاوزت أعماله المسرحية الـ70 عملاً منذ بداية التسعينيات حتى الآن، حصد أخيراً الجائزة الثالثة في الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، عن مسرحيته (دراما خيالية حدثت عام 2030، عن هذه الجائزة وتجربته المسرحية كان لنا معه هذا الحوار:
* الكثير من النقاد يسمونك صيّاد الجوائز، بعد أن حصلت على جوائز لم يحصل عليها أي كاتب عراقي، ما الذي تعنيه لك هذه الجوائز؟ وما الذي أضافته لك؟
- مؤمن تماماً أن الكتابة للمسرح مشروع حياة بالنسبة، الحياة هنا أن تكرّس كل سنوات عمرك من أجل المسرح وتعطيه من روحك كل شيء، ومن هنا أن فعل الكتابة يتواصل بشكل يومي معي بعيداً عن أن تكون هناك جائزة تلوح في الأفق أم لا، وهذا يجعلني أيضاً لا أكتب من أجل الجوائز، وهي تأتي هكذا من دون موعد على الإطلاق، وربَّما هي فرصة أن تختبر تصوّراتك وآراءك والقضايا التي تحاول أن تطرح على الورق، وفي الوقت نفسه كان للجائزة وقعها الكبيرة في بداية مشواري مطلع التسعينيات وكانت دافعاً رائعاً يشير لي بأنّني على الطريق الصحيح ويؤكد أنَّ ما أكتبه كان مختلفاً، أما الآن الجائزة فرصة للفرح في زمننا العراقي الذي تعلمنا منه الحزن فقط.
* حدّثنا عن هذا العمل؟ وما موضوعه؟
- هذا النص فيه اشتغالات تجريبية أخرجته عن التقليدي باتجاه مناخات غريبة يفترضها النص بالتأكيد، وهو ضمن مشروع نصوص مسرحية أطلقت عليها (نصوص المدينة الفاسدة) أو نصوص ما بعد الخراب، الحدث فيه غرابة وافترض أنَّه ممكن أن يحدث عام 2030 مع
تطوّر العلم والطب بشكل خاص، واستفدت من فكرة التطوّر الهائلة هذه في كتابة النص في مجال العمليات الجراحية، وهو هنا يناقش موضوعة الدكتاتورية التي تفشّت في العالم بترسانات أسلحتها وقنابلها النووية وقمعها للإنسان، ولكن يهزمها فيروس متناهٍ في الصغر، وهذه واحدة من المفارقات الكبرى التي يشير لها النص.
* هل تم توجيه خطاب هذا العمل لقارئ عربي لتقيمه اللجنة بهذه الحائزة، أم أن خطابك واحد للقارئ العراقي والعربي؟
- كما أشرت، لا أفكّر على الإطلاق بمناخ الجائزة وبيئتها، أنا أكتب نصوصي بكونها روحي التي أعيش بوجودها، هذا هو الأهم
جملة وتفصيلاً، ناهيك أن النص الذي أكتبه أصلاً يحمل قضايا إنسانية بدليل، تقديم هذه النصوص في كل وطننا العربي من أقصاه إلى أقصاه، بالرغم من أنّني أنطلق من المشكل العراقي بروحه المحلية، ولكن القراءة هنا تذهب لمناطق أبعد لتشير إلى قضايانا الإنسانية... وهكذا أعتقد أنَّ لجان التحكيم تميل للنصوص التي تحمل قضايا إنسانية تناقش وتعرّي ما يحدث، وممكن جداً تقديمه كعرض مسرحي عراقياً وعربياً.
* غالباً ما تكسر في أعمالك تابوات الدين والسياسة والجنس، ما الذي تفكّر به قبل كتابك أي عمل؟
- منذ مطلع التسعينيات كنت أؤكّد لنفسي أنّه لا بدَّ من أن يكون لي مشروعي الخاص المختلف، وألا أكون رقماً ضمن مئات الأرقام التي سرعان ما تتلاشى في حياتها قبل موتها، لاسيّما وأنّني المطّلع بشكل واسع على نتاج التأليف عندنا، وكان عندي جملة من المواقف والملاحظات عليه، وكنت أشير بأنّه نتاج لا يمكن له الخلود والاستمرار وسرعان ما سيموت، وفعلاً أغلبه تلاشى وصار ضمن تراث المسرح العراقي فقط على الرغم من أهميته في وقته مع وجود استثناءات قليلة جدّاً، وبعد سنوات وجدتني باحثاً بدقّة، أحاول الاكتشاف والوقوف على مشروع يذهب بالاتجاه الآخر من حركة التأليف عندنا، فكان (التابو) حاضراً بشكله غير القصدي هنا طبعاً، فرحتُ أستدعي المقدّس في نصوص الإلهيات، وأكتب عن الدكتاتوريات والحروب العبثية في نصوص أخرى، وأيضاً تجد الجنس أحد سمات بعض النصوص وتأثر هذه الموضوعة بالحروب والحياة الاجتماعية القاهرة. إنَّ ما أفكر فيه قبل الكتابة هو هوس الاكتشاف، وتحقيق الصدمة بهذه النصوص، أي أنني أفكّر بالأبعد في طرح افكاري حتى لا أكون ضمن السائد والعادي.. ومن هنا كان للنقد العراقي والعربي والدرس الأكاديمي صولات وجولات كثيرة جداً مع نصوصي أسعدتني بقراءاتها المهمة.
* أغلب أعمالك أخرجت عراقياً وحصلت على جوائز في المهرجانات العراقية، وهناك أعمال كثيرة أخرجت عربياً، هل ترى فارقاً في عملك إذا قُدّم على المسرح العراقي أو على المسرح العربي؟
- بالتأكيد، المناخ العراقي يختلف إلى حدٍّ كبير عربياً، نحن عندنا سوق من الأحداث والأزمات والكوارث والجحيم اليومي لا يمكن مقارنته مع أيِّ بلد آخر، وهذا هو الاختلاف عند تقديم أحد نصوصي على خشبات المسرح العربي باختلاف الإخراج والتلقّي أيضاً، التلقّي في ذاك البلد العربي لم يعش سخونة الأحداث
والحرائق التي عاشها المتلقي العراقي الذي احترق بلهيبها وشاهد كل شيء، هي معادلة مهمّة كما أراها في حركة المسرح عموماً، لذلك الاختلاف حاصل بالتأكيد، وهذا لا يعني أنَّ المخرج العربي لم يقدمني بشكل مهم، لا على الإطلاق، وفّرت هذه النصوص قراءات متعددة عربياً وراح المخرج يسقطها على واقعه الذي يعيش في وسطه وأيضاً يحصل على جوائز مهمة في مهرجانات عربية ودولية.