حرب التغريد بلا حديد!

آراء 2021/01/16
...

 د.محمد فلحي
 
 
فرضت مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية حظراً على تغريدات الرئيس ترامب ومنشوراته، في سابقة تاريخية تشير إلى صعود السلطة الناعمة وتفوقها على سلطة النار والحديد التي عرفتها البشرية طوال تاريخها البعيد، فقد بات حرمان رئيس الدولة من حرية التغريد يضاهي تجريده من قوة السلاح، وإن سلطة القرن الحادي والعشرين تقوم على الإقناع الإبداع، ومخاطبة الرأي العام وتحريكه وفق قواعد الحوار والتواصل، في ظل بيئة رقمية تفاعلية جديدة!
 ظل ترامب، منذ دخوله الساحة السياسية، يخوض معركة شرسة ضد وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتهمها بالتلاعب والتحريض والتشويه، وهي تهم ليست باطلة كلها، لكنه لم يتورع عن استخدام السلاح نفسه ضد مناوئيه، فراح يمارس اللعبة بطريقة معاكسة، وذلك ما عدّه المسيطرون على مفاتيح الانترنيت انتهاكات تقتضي التحذير حول بعض تغريداته، ثم حذف بعضها، وأخيراً اللجوء إلى المنع الكامل، في ذروة الأزمة الأخيرة حول نتائج الانتخابات الأميركية وتداعياتها المعروفة، التي انتهت بخسارة ترامب الجمهوري وإعلان الكونغرس فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن.
 الأزمة بين الرئيس الأميركي والسلطة الرقمية ليست جديدة، خاصة عندما اتخذ خطوة تصعيدية ضد منتقديه، في منتصف العام الماضي، قبيل الانتخابات الرئاسية، فقد وقع ترامب أمراً تنفيذياً يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لشركات التواصل الاجتماعي، وتتيح تلك الخطوة للجهات التنظيمية سلطة الملاحقة القضائية لشركات مثل فيسبوك وتويتر بسبب(سياسة مراقبة المحتوى) على منصاتها، وقال ترامب أثناء توقيع الأمر: إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تتمتع بـ «سلطة لا حدود لها»!.
 عندما يعترف الرئيس الأميركي بفقدان السيطرة الحكومية على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في ظل مبادئ حماية حرية التعبير الواسعة في القوانين الأميركية، فلا شك أن السلطة تشهد تحولاً تاريخياً، وأن القوة قد تغيرت كلياً، ولم تعد العناصر المادية المعروفة تدير اللعبة لوحدها، فهناك فضاء رقمي يفرض هيمنته على الشارع، وعلى صاحب القرار في الوقت نفسه، ومن يتابع تغريدات الحكام عبر العالم وصورهم، سوف يكتشف أن الحكم لم يعد محصوراً في سلطات ثلاث تقليدية(تشريعية وتنفيذية وقضائية)، فهناك سلطة فوق الجميع،حيث يستطيع مدير تويتر أوفيسبوك أو يوتيوب حذف أو منع تغريدات الرئيس، فيبدو الرجل في حالة من فقدان التوازن العجيب كساع إلى الهيجاء من دون سلاح!
 تستطيع المواقع الرقمية والفضائيات، في أغلب دول العالم اليوم، المشاركة في العملية السياسية وتوجيهها واختراقها بسلاحها المعنوي الفعّال، وقد تسقط زعامات وتتغير حكومات وتندلع تظاهرات وتسفك دماء غزيرة، عبر ازرار صغيرة وقفازات ناعمة من الحرير، الذي يعد الأكثر خطورة من الحديد، وتلك لعبة يجب أن يفهمها المتلاعبون بالكراسي!