حميد المختار
برز الساردون الثلاث: محمد علوان جبر، وحميد الربيعي، وأسعد اللامي بعد سقوط النظام بشكل جلي، واستطاعوا أن يختصروا الزمن ويكشفوا وجودهم الإنساني والإبداعي ويلحقوا بركب الرواية المتسارعة في العالم ويحققوا حضورا كبيرا ويؤسسوا نمطا سرديا خاصا بهم، جربوا الأشكال السردية بكل حرية ولم يمنعهم شيء لإثبات قدرتهم الكتابية في التجريب سواء في كتابة القصة القصيرة أو الرواية وخصوصا ما كتبه محمد علوان جبر وحمد الربيعي في مجال القصة القصيرة الذي أعاد للقصة العراقية هيبتها، ويبدو لي أن همّهما كان قصصيا لغزارة الإنتاج في هذا الفن الصعب على الرغم من إجادتهما كتابة الرواية والبراعة فيها، لكنهما أبدعا بشكل جاد في القصة القصيرة ونالا جوائز على ذلك خصوصا حميد الربيعي إذ نال جائزة الإبداع عن مجموعته (غيمة عطر) من وزارة الثقافة، بينما محمد علوان جبر لفت إليه الأنظار وكتب مجاميعه القصصية بغزارة، تلك المجاميع التي أوصلت القص العراقي إلى محطات لافتة ومبهرة، (العكاز الأخير) و(الرحلة العجيبة) و(تفاحة نيوتن) و(شرق بعيد) و(تماثيل تمضي)كلها قصص زاخرة بالفن والقدرة والحرفة العالية التي استوقفت نقادا كثيرين ومعجبين ومتابعين، وقد كتبت أنا في عمودي الأسبوعي في جريدة الصباح عن أكثر هذه المجاميع وكنت خبيرا لمجموعته (تفاحة نيوتن) فكان محمد علوان جبر جندي الحرب والسلام في معظم قصصه
ورواياته.
أما أسعد اللامي فهو روائي محترف لكنه من الأسماء التي ظلمها النقد كثيرا فهو من الأصوات السردية التي وعت مهمتها بحرفية عالية حتى أنه صار يوظف مرضه العضال في رواياته ويؤرخ لألمه ومعاناته وهو يصارع المرض كمقاتل أسطوري لا يرضخ للموت ولايستسلم له، وان داهمه الموت فإنه سيموت في قمة عطائه وقمة حبه للحياة والجمال، كذلك فعل حميد الربيعي وصنع أسطورته بنفسه الساخرة من الموت وهو يدخل معترك الآلام العظيمة ويقاسيها ليعيش يوما آخر ثم لما تختمر في جسده يعود إلى كتابتها بكل شجاعة وحب، حميد الربيعي رجل المكان بلا منازع شأنه شأن الطوبغرافي العتيد الذي يؤسس المدن ويبني وينتج مدنه وأماكنه القريبة إلى نفسه، اقرؤوا رواياته لتكتشفوا تلك الأماكن التي لم تغادر ذاكرته أبدا، أما أسعد اللامي فهو يمتلك نظرة بانورامية تصل إلى حدود "الهيولى" لأنها استوعبت هم الإنسان العراقي وقدرته على صناعة المستحيل بقوة وجوده وإصراره على الحب والحياة، ومحمد علوان جبر بقي جنديا يحيطه الموت في الجبهات، بقي رمزا للحياة وسط الموت، ورمزا للجمال وسط الخراب والقبح، ظل مطاردا من قبل الأجهزة القمعية للنظام المقبور وهرب خارج العراق لينجو بنفسه لكنه عاد من جديد وواجه كل هذا الموت ليؤسس من خلال فنه القصصي جمالا منقطع النظير سيخلده حيا وميتا.. سلام على الراحلين أشهد أنكم قد كتبتم بأمانة وأخلصتم للكلمة الحرة وأحببتم العراق، عشتم بشرف ومتم بشرف؛ ولهذا ستبقون خالدين في الذاكرة الحية، لن ننساكم ما حيينا حتى نلحق بكم.