تتماشى مفاهيم فلسفة الضحك بعيداً عن التعاطف مع الفكاهةوالسخرية النقدية تحديدا، والتي يستطيع الكاتب او الرسام من خلالها توضيح النقاط السلبية التي يعالجها في عمله الفني او الادبي، وبجدية لا تتخلخل معها البنية الفكرية للعمل ثقافيا، خاصة تلك التي تثيرها الأعمال الدرامية أيضا، وتحتفظ بها المخيلة بشكل تخديري للنقطة الحساسة التي تتم معالجتها، وبعاطفة تثير معها العناصر العقلانية، التي تستخلص السلبيات والايجابيات، وتغربل معها المساوئ المرتبطة بالشخصية او بالموقف المثير للسخرية او المسبب لفكاهة معينة
، كما هي الحال مع “دونكيشوت” ومع اغلب الايحاءات التي صدرت عن مواقفه الاجتماعية هزليا او حتى كلماته، التي تثير الشعور بالمتعة بعيداً عن التعاطف الذي يتجسد بالمودة تجاه هذه الشخصية التي تولد الرفض والتعاطف معا او التوحد معها والاحساس، بإحساسها من حيث ازدواجية الشخصية التي تلعب دورها في العمل الادبي تحديداً، فهل ابراز نقاط ضعف الشخصية الاجتماعية في العمل الروائي هي لإعادة تشكيلها من جديد؟إن تكوين شخصية مرادفة للشخصية، التي يسلط عليها الكاتب الضوء هزليا بشكل اساسي او حتى من خلال المواقف الساخرة تؤدي إلى استخراج الحقائق المرتبطة بتكوين شخصية الفرد بشكل جدي ومتين نقديا وبشكل انساني، وكأن المواقف التي يطلقها الكاتب من خلال هذه الشخصية هي لتصحيح مساراته الحياتية، بل واستدراك التوازنات الإنسانية التي تلعب دورها خاصة في الأدب الخيالي، وقواعده الهيكلية في تركيب الشخصية بيولوجيا وحيويا ونفسيا، وجعلها رئيسية ولا يمكن الاستغناء عنها، لتكون ضمن الأوليات لدى القارئ الذي يصحح الشخصية من خلال خياله الخاص او مفاهيمه الواقعية في الحياة، فيرفض سلوكياته او يقبل بعضها ويعكس الاخطاء لتصحح الشوائب، وتبعا لشخصيته واحلامه وخياله، وقدرته على المحاكاة التخيلية والاستكشاف للعثور على الثغرات وتصحيها، ومن ثم الانتماء اليها او رفضها رفضا قاطعا،وانشاء المتخيل المرادف لها،وهي شخصية اخرىتتكون تلقائيا من سلبياتها، وضمن الايجابيات المقبولة انسانيا، فهل يمكن اختزال الشخصيات الروائية الاستثنائية بالشخصية الرئيسية التي تستعصي على القارئ في قبولها كما هي منطقيا، فيحاول التصحيح بشكل تخيلي لتكون مثالية اجتماعية او سياسية وغير ذلك.
لا يمكن فهم الدوافع الحقيقية لخلق الشخصية الروائية الفكاهية او الساخرة او القاتلة في العمل الروائي او حتى الشخصية الهزلية، او حتى تلك الضعيفة في توجهاتها الحياتية، فتنقلب الى قاتل او حتى الى مريض نفسي او حتى الى انسان لا يمكن له الاعتماد على نفسه، كما في روايات فيودور دوستوفسكي أو أغاثا كريستي او حتى شخصية آنا كارنينا، بعيدا عن التقليد الاجتماعي او استخراج عادات وتقاليد اجتماعية، تؤسس إلى تعايش مع القسوة مثلا كالأب في روايات دوستوفسكي او آنا كارنينا بعبثتيها، بعيدا عن الشخصيات الأسطورية التي لا مثيل لها في الحياة، والتي يمكن لها أن تمنح القارئ صفات معاكسة قادرة على التقويم الاجتماعي، كما في رواية “الحارس في حقل الشوفان” وقدرة الكاتب على ابراز شخصية المراهق الذي استبدل سلوكه، عندما أدرك أنه قدوة لأخته التي قررت الهروب معه، وبالتالي رفضه ذلك لإدراكه سلبيات ما قام به، وأنه المثل الأعلى لأفراد اسرته، فهل يمكن للكاتب الروائي أن يكون محافظا وبشكل انساني من خلال الانفلات السلوكي الذي تمثله الشخصية الاساسية في عمله الأدبي؟
لا بد من التعمق في مفهوم الشخصية التي انطلق منها الروائي، ووضعها تحت المجهر لدى القارئ لاكتشافها سلوكيا اجتماعيا عقائديا نفسيا وما إلى ذلك، ومن ثمّ تحتاج من الكاتب قدرة معرفية كبيرة بأبعادها لتكون مؤسسة لقيم ومفاهيم تهدف الى البناء الاجتماعي اولا القائم على المفاهيم المقبولة والمرفوضة، وبتطوير تتضح معها العواقب او معرفة نتيجة سلبيات وايجابيات الشخصية والدوافع الحقيقية التي يقف خلفها الكاتب الذي يجب ان يحمل لواء الإنسانية بكل جوانبها.