زهير كاظم عبود
تقدمت الحكومة الحالية ببرنامجها بتاريخ 7/5/2020 الى مجلس النواب، والبرنامج المذكور يمثل الاطار العام لعملها للفترة المقبلة، كما يحدد الأوليات التي تسعى لتحقيقها، وبذلك تكون الحكومة ملزمة بتنفيذ فقرات برنامجها الذي قدمته الى مجلس النواب، وهذه الالتزامات لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة، الا أن عددا من فقرات هذا البرنامج يعد الشروع بها لتحقيق الهدف الأساسي بمثابة التنفيذ، ومنها إجراء الانتخابات المبكرة الحرة والنزيهة، وهذا المطلب الذي شرعت حكومة السيد الكاظمي بتنفيذ مراحلة الأولى يرتبط ارتباطا وثيقا بفقرة مهمة أخرى، لايمكن أن تتحقق صورة الحرية والنزاهة دون ذلك، وهو حصر السلاح بيد المؤسسات العسكرية والحكومية حصرا، ولم تزل هذه الصفحة التي تعيق معالم الحياة والسلام داخل المدن العراقية تشكل هاجسا ورعبا، لا يمكن أن تجري الانتخابات ما لم يشعر المواطن العراقي أنه يتمتع بالحرية والأمان، ولم تلمس الناس الخطوات الايجابية التي تباشر وتسهم في انهاء ملف السلاح المنفلت، وبقاء هذا الملف وبهذا الشكل يدفع الناس للعزوف عن المشاركة حفاظا على حياتها وأمنها .
كما ان تعثر ملف التحقيق مع قتلة مئات من الشباب المدنيين المحتجين، وحالات الاختفاء والخطف الجارية من دون توقف، يؤشر لنا بأن تقاعسا ومماطلة لكشف حقائق هذا الملف، وهو حديث الشارع اليوم، وعدد من حالات الاغتيال والخطف وثقتها كاميرات المراقبة، كما ان عددا آخر من الحالات تمت أمام مفارز وعناصر الشرطة والأمن والمواطنين، وأرقام سيارات الجناة مكشوفة ومعروفة المرجعية، وبالرغم من مضي مدة أكثر من ثمانية أشهر على تسلم السيد الكاظمي رئاسة الحكومة، فإن الشعب لم تزل عيونه وفي مقدمتهم أسر الشهداء والمخطوفين ترنو الى نتائج تليق بسمعة العراق وتحفظ دماء الشهداء وحقوق أسرهم.
ومع إمكانيات الحكومة المتواضعة في التصدي لجائحة كورونا، ويلحق بها تلك الإمكانيات البائسة التي تسيطر على مستشفياتنا وقدراتنا في النظام الصحي، الا ان القدر ويد الله كانا أكبر من هذا الملف ليقل عدد المصابين وعدد المتوفين جراء هذا الفيروس الفاتك، مع ان الحكومة لم تتخذ الوسائل والسبل لغلق الحدود وتقليص الاستيراد للفواكه والخضراوات وغلق بعض الأماكن التي تعتمد على التجمعات، وتحديد التجوال ومنع التظاهرات والاحتفالات الا أن عدم الاكتراث والاستخفاف بالفيروس كان سائدا في جميع أنحاء العراق بما فيها دوائر الدولة .
ويأتي ملف مكافحة الفساد ليكشف لنا وبشكل مخجل عددا من الملفات والحالات التي لا تحقق الهدف والغاية من برنامج المكافحة الذي تنتظره الناس، ولم تخدش الحكومة جدار رأس من رؤوس الفساد، ولا ما زلت المافيات التي تعيث بالبلاد فسادا ومستمرة بهذا الفعل، ورغم طرح الحكومة انها ستطلق الحوار الوطني مع حركة الاحتجاج السلمي، فإنها تركت المواجهة بين متطرفين من حركات سياسية وبين الشباب المحتجين من المدنيين، وجوبهت هذه الحركات بالرصاص الحي أكثر من مرة، مما يؤكد ان غياب المساءلة القانونية وتحديد المقصرين في معالجة حالات إطلاق النار الحي على المتظاهرين الذي يشكل جريمة جنائية، فلم تتم محاسبة من يرتكب هذا الفعل .
وكنا نأمل ان تستمع الحكومة لمطالب المحتجين بدلا من الاعتماد على عدد من الأسماء، حتى يمكن ان تتوصل معهم الى حلول مؤقتة او وسطية بدلا من خسائر الأرواح، وانتهاك الأمن المجتمعي، خصوصا ونحن امام مواصلة الصفحة الأخيرة لملاحقة فلول الإرهاب المتمركزة في مناطق الحدود في محافظة ديالى وكركوك والأنبار، والتفرغ لكنسهم من ارض العراق نهائيا .
ولم يزل ملف تواجد القوات الأجنبية يدور ضمن حلقة مفرغة، فلا حكومتنا صريحة وواضحة في معالجة الملف، ولا مجلس نوابنا الموقر جريء في سن قانون يعالج ذلك، ولا تعرفنا على حقيقة التواجد العسكري للعديد من الدول على الأرض العراقية، لأننا فعلا بحاجة الى رؤية وطنية تحدد مستقبل هذه القوات على الأرض العراقية، وأخيرا ملف النازحين الذي يرتبط بشكل وثيق بتوفير الأماكن التي تليق بالإنسان العراقي الذي تم تهجيره من بيته ومكان عمله قسرا، وأن يتم توفير فرصة العمل التي يعيش منها مع أسرته .
إن حماية المواطن مهما كان دينه او مذهبه او قوميته من مهام الحكومة الأساسية، وعلى الحكومة ان تنتبه لما يحدث في مدينة الموصل وضواحيها، وما يتعرض له المكون المسيحي والأيزيدي، بعد ان تعرضت لها عصابات داعش الارهابية بأبشع الوسائل والجرائم، مع التأكيد على قيم المواطنة، التي يجب أن تعم على جميع المكونات العراقية من دون استثناء، وان يتم بإحكام غلق ملفات التغيير السكاني في مناطقهم .
وأخيرا ومع أننا نمر بأزمة اقتصادية خانقة نتيجة الجهل في ممارسة السياسيات الخاطئة من قبل الحكومات المتعاقبة، ونتيجة للفساد الذي تفشى وانتشر من دون رادع او عقاب، فأن اعمال العقل والحكمة في فقرات الموازنة مطلوبة حتى يمكن مناقشتها بهدوء وتروٍ لغرض اقرارها من قبل نواب الشعب، واضعين بعين الاعتبار الوضع الاستثنائي الذي يمر به العراق، ونأمل ان تكون هناك قرارات وإجراءات اقتصادية يتم تقديمها من قبل خبراء وعلماء في معالجة الأزمات حتى يمكن ان تمر، وأن نستعيد بعضا من عافية العراق، فالزمن يمضي والتاريخ يكتب .