مكافحة الفساد الوظيفي

آراء 2021/01/17
...

 عدي سمير حليم الحساني
الفساد الوظيفي ظاهرة قديمة في فحواها، حديثة في أساليبها، وهي ظاهرة عالميَّة شديدة الانتشار ومتجذرة واتخذت أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل عديدة ومختلفة التمايز، وقد تختلف من مجتمعٍ إلى آخر من خلال تعدد أساليبها وتنوع البيئة الوطنية وقد تتخذ أشكالاً مختلفة، منها الإداري، والمالي، والسياسي، والاجتماعي، والقانوني، والاقتصادي، والأمني.
وذلك كونه يصيب الجهاز الإداري بالشلل، ويجعله غير قادر على أداء المهام والواجبات التي نشأ من أجلها.
ونظراً للآثار المدمِّرة التي تترتب عن الفساد الإداري وخاصة في نطاق الوظيفة العامَّة وبالشكل الذي ينعكس على الإدارة والمواطن من خلال الخدمة المقدمة له من الدائرة المختصة والتي تلقي بظلالها على الواقع الخدمي للفرد، لا بل تتعداها أيضاً الى الضرر بجميع نواحي الحياة الأخرى.
وقد تعددت أسباب انتشار ظاهرة الفساد الوظيفي فبعضها يرجع إلى سيطرة الأجهزة الإداريَّة على مختلف الأنشطة الاقتصاديَّة، والبعض يرجع إلى سوء التنظيم الإداري والروتين المعقد في الإجراءات الإداريَّة وعدم استحداث إجراءات مبسطة في دوائر الدولة واتباع المركزيَّة الإداريَّة، أو سوء اختيار الأشخاص المناسبين لإشغال المناصب القياديَّة، ما يؤدي الى خشية هؤلاء على مناصبهم مما يدفعهم لاختيار معاونيهم ونوابهم ممن هم على شاكلتهم للسيطرة عليهم، وهذا حتماً سيدفع هؤلاء الى جلب موظفين ممن هم بمستوى تفكيرهم، ما يؤدي الى الجهل أو التقصير في تنفيذ القوانين والأنظمة الوظيفيَّة والعمل بالكيفيَّة وفقاً للصلاحيات الوظيفيَّة الواسعة، المخولة لهم، وهذا كله على حساب المصلحة العامَّة.
وهذا سيؤدي حتماً الى ضعف وسائل الرقابة والمحاسبة، التي تُطبق على الموظفين، بدافع المجاملات أو المقابل المادي، ويكفي العلم بأنَّ غالبية التشريعات تمنح الرئيس الإداري الأعلى سلطة إحالة المخالف إلى التحقيق، فضلاً عن سلطة حفظ التحقيق، وسلطة توقيع العقوبة الذي لا يتناسب مع المخالفة أو الجرم الإداري، بسبب مبدأ المشروعيَّة الإداريَّة «لا عقاب إدارياً من دون نص».
وهذا حتماً سيؤدي الى رفع تقارير مغالطة للحقيقة الى الما فوق أو حتى عدم تزويدها بتلك التقارير أصلاً لتفادي أي إصلاح مستقبلي. لذلك يستوجب إسناد الوظائف الحكوميَّة الى ذوي الاختصاص ممن تتوافق مؤهلاتهم وخبراتهم مع الأعمال المناطة بهم والتي ستسهم إلى حدٍ كبير على إنجاح الأجهزة الإداريَّة في الدولة، والحد من الفساد الإداري بشكلٍ تدريجي وانحدار أخلاقيات الوظيفة العامَّة، ويؤدي بالتالي إلى تحويل عمليات التخطيط بمجملها إلى عمليات هلاميَّة وشكليَّة لا قيمة لها، ويجعل عمليَّة التنمية الإداريَّة برمتها صوريَّة وبلا مضمون، كما ويسهم إلى حدٍ كبير بمقاومة أي إصلاح تشريعي أو مؤسسي للجهاز الإداري، أملاً في بقاء المنافذ التي يتسلل منها مفتوحة، وذلك من خلال قيام الفاسدين في تلك الأجهزة بإبقاء جهود التنظيم والإصلاح الإداري حبيسة الأدراج وحبراً على ورق. كونه سيُحرف بمقاصد القرارات الإدارية مبتعداً بها عن المصلحة العامَّة، لتحقيق مكاسب شخصيَّة، وهذا ما يسمى بـ»الانحراف الوظيفي في استخدام السلطة»، وهو وجه من أوجه الفساد الوظيفي، وتقع على من يرتكبها عقوبة منصوص عليها في قانون العقوبات.
ونرى أنَّ هناك تحركاً دائماً من قبل السلطتين التشريعيَّة والتنفيذيَّة والقضائيَّة للسعي الدائم من أجل مكافحة الفساد الوظيفي بجميع أشكاله وأساليبه.
لذلك نجد اليوم تشكيل لجنة دائميَّة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة وذات صلاحيات واسعة، وهذا ضمن التوجه الحكومي الذي يقوده السيد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السيد مصطفى الكاظمي في مكافحة الفساد الإداري والمالي.
وأصبحت هناك ثورة إداريَّة يقودها السيد وزير الداخلية عثمان الغانمي من خلال التوجه الإداري في الاستفادة من حملة الشهادات العليا في ممارسة اختصاصاتهم الوظيفيَّة في مفاصل الوزارة كافة وفقاً لمبدأ النزاهة والمهنيَّة، وكان لكلمة سيادته في مؤتمر المرور «بأننا نريد أنْ تكون وزارة الداخلية بيضاء» الأثر الكبير في نفوس الخيَّرِين.