التحرر من ضغط الرغبات المكبوتة في تجربة جويس منصور الشعرية

ثقافة 2021/01/18
...

محمد تركي النصار
جويس منصور شاعرة مصرية ولدت في انكلترا عام 1928 ، وانتقلت إلى القاهرة في سن مبكرة، كانت تنتمي لاسرة ثرية سورية الأصل ماجعلها تتمتع بحياة البذخ وكانت تردد دائما بخصوص الشعر بأنه يساعد على طرح الأرواح الشريرة، اذ مارست لفهم الموضوع بشكل أوسع مايسمى بالسحر الأسود.
انتمت للحركة السريالية وارتبطت بعلاقة صداقة قوية مع الشاعر والمنظر السريالي الأكثر شهرة اندريه بريتون، أبرز ثيمات منصور الشعرية كان سعيها لتدمير القواعد والمنطق واختراق المحرمات، وهذا ماجعلها قريبة من الحركة السريالية التي كان روادها وعلى رأسهم بريتون يركزون على مناطق اللاوعي بكل مافيها من غموض وعنف واحتدام.
شعر جويس بسيط يخلو من أي تعقيدات لغوية أو مبالغة في استخدام المجاز، فهي شاعرة الرغبة الجنسية التي تعبر بجرأة نادرة عن طاقتها المكبوتة بنصوص حادة وجريئة، وفي كل ماكتبت كانت تحاول التحرر من ألم الجسد وضغط الرغبة بنصوص سحرية ايروسية نازعة عن كاهلها عبء القمع والخوف مخلصة لنداءات جسدها.
وظلت جويس طيلة حياتها سندا للحركة النسوية ضد التمييز منتصرة للمرأة زوجة واما وحبيبة.
اسرتها كانت تتمتع بالاضافة للثراء بمكانة ثقافية مميزة في القاهرة، لكن ذلك انتهى بعد وصول الرئيس جمال عبد الناصر للسلطة والأحداث التي رافقت أزمة السويس عام 1956 اذ اضطرت الاسرة للهرب من مصر خلال ثمان وأربعين ساعة.
تربط منصور في شعرها بين القوى البدائية للجنس والموت بطاقة تصوير خارقة للعادة وكانت تجازف بشجاعة نادرة وصدق شرس: لا شيء ممنوعاً، هكذا كانت تصرخ معبرة عن جنون الرغبة دون السقوط في فخ المجون بنبرة لاذعة عفوية تسمي الأشياء بأسمائها مدافعة عن حقها في الانتصار لجسدها، ويلاحظ أن تجربتها الشعرية تمثلها مرحلتان، الأولى سيطر فيها الحب وتحرير المكبوت والشغف بالرغبات، لكنها وبسبب مرارة الفقدان والمرض وكابوسية ماعانته في مراحل مختلفة من حياتها ركزت على موضوعة الموت والألم والكابوسية في أواخر حياتها حتى وفاتها عام 1986 في باريس بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
ومن ترجماتي لقصائد الشاعرة جويس منصور: 
 
(1)
حزينة مثل صحراء
سعداء أولئك الوحيدون
الذين يبذرون السماء في 
الرمال المتعطشة أولئك 
الباحثون عن العيش تحت 
تنانير الريح 
الذين يركضون لاهثين 
خلف الحلم المتصاعد مثل 
البخار لأنهم ملح الأرض
سعداء أولئك  الساهرون  
في  الصحراء الشاسعة الذين
يطاردون الثعلب خلف السراب..
الشمس المجنحة تفقد 
ريشها فوق الافق
الصيف الأبدي يسخر 
من القبر الرطب
 وحينما يدوي صدى صرخة 
ضاربا الصخور المستلقية
فلا أحد يسمعها، لا أحد 
الصحراء دائما تصرخ تحت 
سماء ساهية
العين المحدقة تحوم وحيدة
مثل نسر في الفجر
الموت يبتلع الندى والأفعى 
تخنق الجرذ حتى الموت
بينما البدوي يصغي تحت 
خيمته للوقت وهو يصرخ
على حصى الأرق كل شيء 
هناك كان ينتظر كلمة  أُطلقت
في مكان آخر. 
 
(2)
قصيدة بلا عنوان
لاتتحدث أبدا عن حلمك إلا 
لمحبيك الأذن المعادية جافة
والفم المر يجيد الشتائم
الكره يتقيأ الرمل في الساعة 
الرملية بسرعة، دائما  بسرعة 
الليلة المخذولة تجهض شغفا 
قد تلاشى الآن والخوف يزيد 
غضب التمساح الأميركي
حجم السرطان يدفن أحلامك 
في حقائب أمام عينيك
ستكون في مأمن من الحسد
والأقوال المأثورة التي تفيد 
بأن الثرثرات الأفريقية 
والرجال الطاعنين في السن
يمتازون بالحكمة.