تأهيـــــــــــــــــل القضـــــــــاء الدســــــــــــــــــــتوري

آراء 2021/01/18
...

  القاضي  كاظم عبد جاسم

لا شك بأن غاية كل الشعوب في العالم هي إقرار مبادئ الشرعية وسمو الدستور واعلاء أحكامه في الأنظمة القانونية والسياسية المختلفة، والتطلع الى حياة ديمقراطية يتمتع فيها الافراد بالحرية والاستقرار في ظل قوانين لا تشوبها شائبة.

كما لا تكفي النصوص القانونية بمفردها لحماية حقوق الانسان، بل ان عامل الرقابة الدائمة و الفاعلة هو بأهمية النصوص والمؤسسات نفسها، ولعل من اهم اشكال الرقابة هو الرقابة القضائية، فلولا القضاء المستقل لما قام ملك ولا ثبت حق ولا تمّ أمن ولا طاب عيش ولا سعد شعب ولا انتظم للناس اجتماع، حيث يعد القضاء أحد أهم ضمانات الشرعية الدستورية، ويعد الدستور اعلى هرم قانوني في الدولة، وتولت دساتير الدولة العراقية بتنظيم المحكمة الاتحادية او الدستورية منذ تأسيس الدولة العراقية، ولم تكن فكرة القضاء الدستوري غائبة في العراق في دساتير 1925 والمحكمة الاتحادية العليا في دستور الاتحاد العربي لعام 1958، الا ان القضاء الدستوري وقد نص قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، على أن يجري تشكيل محكمة في العراق وتسمى المحكمة الاتحادية العليا، وكان من أهم أسباب النص على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا هو شكل الدولة الفيدرالي و ما يستلزمه من ضرورة وجود محكمة عليا، اسوة بأغلب الفيدراليات في العالم والحفاظ على سمو الدستور، بوصفه من اهم دعائم مبدأ المشروعية ودولة القانون وتصحيح الأوضاع التشريعية.
إنّ الرقابة القضائية هي الضمان الفعال للأفراد ولا يكفي اسباغ صفة الديمقراطية على دستور معين مجرد توافر المقومات الاساسية، وانما يجب أن يضمن الوسائل الكفيلة لاستقراره ومن اجل ان يتمكن القضاء الدستوري من القيام بدوره في حماية الدستور، فإنه يتمتع هذا القضاء بالضمانات الكافية التي يستطيع بواسطتها تحقيق هدفه في حماية الدستور من أي اعتداء، و لا ريب ان طبيعة الرقابة الدستورية على التشريعات تقتضي من القائمين عليها تفكيرا دقيقا و قدرا واسعا في حرية الفكر و الابداع، لاسيما  ان ما يعرض على القضاء الدستوري من الامور يعد أدق وأعقد الامور القانونية، وحتى لا تتأثر المسائل القانونية بمختلف التأثيرات السياسية والاجتماعية وغيرها وللحفاظ على استقلالية القضاء الدستوري، نجد أن أغلب الدول تشترط في قوانينها التخصص القانوني في القضاء الدستوري و مراعاة لشرط الكفاءة والخبرة في القضاء الدستوري وضعت معايير دولية لاختيار القضاة. 
وانطلاقا من هذا المبدأ عمل مجلس القضاء الاعلى تنظيم دورات تخصصية في القضاء الدستورية ومحاضرات في القضاء الدستوري من قبل اساتذة متخصصين في القضاء الدستوري وادخال مادة القضاء الدستوري كمادة دراسية في المعهد القضائي، والاطلاع على تجارب المحكمة الدستورية في دول العالم والاطلاع على القرارات، التي تصدرها المحاكم الدستورية، فطبيعة وظائف المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها محكمة دستورية تفترض الكفاءة في مجال الدستور والحقوق والحريات والمؤسسات الدستورية والمنظومة القانونية، وان المشرع الدستوري العراقي في الدستور العراقي النافذ لعام 2005، لم يفصل في تشكيل المحكمة ولم يتطرق الى تحديد عدد اعضاء المحكمة الاتحادية العليا، و انما ترك امر تحديدهم الى قانون يتم تشريعه لاحقا بغالبية ثلثي اعضاء مجلس النواب العراقي، ولم يحدد فقهاء الشريعة وفقهاء القانون ولم يحدد الأعضاء الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا وان تأهيل القضاء الدستوري، يتطلب أن يكون تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا بالشكل، الذي يجعل الوضوح في تطبيق القانون، لاسيما في عدد اعضاء المحكمة والشروط الواجب توفرها في رئيس واعضاء المحكمة ومدة الولاية والعمل في المحكمة من خلال مدة معينة والامتيازات والحصانات، بموجب نص الدستور وحالة غياب احد الاعضاء، وفي حالة الاستقالة اوالاحالة على التقاعد او الوفاة، 
الامر الذي لا يؤدي الى حدوث فراغ دستوري، وان الارتقاء بالقضاء الدستوري يتطلب تطوير القضاء الدستوري، الذي يعد ضرورة ملزمة لتحقيق الاستقرار والذي يعد شرطا اساسيا لتحقيق التنمية الشاملة، ويساعد على تحقيق الاستقرار السياسي وتحقيق العدالة وصون حقوق الافراد وحرياتهم الدستورية، ويجب نشر ثقافة القضاء الدستوري على اوسع نطاق في اوساط المجتمع العراقي، وتدريس مادة القضاء الدستوري في كليات القانون من خلال مؤسسات المجتمع المدني، عن طريق الندوات والمؤتمرات وورش العمل والحلقات النقاشية واعادة النظر في التشريعات القانونية المنظمة لتشكيل المحكمة الاتحادية العليا، ويجب ان يكون تأهيل القضاء الدستوري بما يمكنه ان يكون مواكبا للتطورات.