أعمال شغب واشنطن تكرار لحقبة التسعينيات

آراء 2021/01/18
...

  أندرو هيغنز 

  ترجمة: خالد قاسم

 
 
 
 
رفعت لافتات متشابهة تدعم قضايا خاسرة ظاهريا في موسكو 1993 وشرق أوكرانيا 2014 ومبنى الكونغرس الأميركي مؤخرا. يبدو ما جرى في العاصمة الأميركية مألوفا لكل من غطى الفوضى السياسية على أنقاض الاتحاد السوفيتي السابق طيلة العقود الثلاثة 
الماضية.
يوجد تشابه من حيث الحماسة والأسلوب بين الغوغاء الأميركيين والجماعات التي سيطرت على مبنى البرلمان الروسي عام 1993، مطالبين بإحياء الاتحاد 
السوفيتي. 
وظهرت المشاهد نفسها بعد عشرين سنة عندما اقتحم مسلحون الجمعية الاقليمية في دونيتسك، وهي مدينة صناعية كبيرة تقع شرقي أوكرانيا والعاصمة الحالية "للجمهورية الشعبية" الانفصالية الموالية 
لروسيا.
شاهدنا بكل تلك الأحداث ملابس عسكرية بديلة، أي سترات تمويه وقبعات صوفية سوداء وأحذية طويلة قديمة وعصّابات رأس، اضافة الى أعلام تمثل قضايا قديمة. ففي دونيتسك لم يقتصر الأمر على العلم الأحمر للاتحاد السوفيتي المنحل أو العلم ثلاثي الألوان للامبراطورية القيصرية، بل أحيانا شعار الولايات الكونفدرالية الأميركية. لم يهتم أحد من هؤلاء بالكونفدرالية لكنهم علموا أنها مكروهة لدى 
أعدائهم.
لكن الأمر المألوف لدى متمردي واشنطن هو يقينهم واقتناعهم الثابت بأن الحق معهم أياً كان ما يقوله الآخرون أو القانون. وهذا الموقف تكرار لتصريح قائد "جيش الوطنيين" الذي سيطر في خريف 1993 على مبنى البرلمان الروسي على ضفاف نهر موسكو، وقاد أتباعه فيما أصبح مهمة انتحارية للاستيلاء على مركز تلفزيون "أوستانكينو" مما تسبب بمقتل العشرات بعد اطلاق نار كثيف من قوات موالية للرئيس بوريس 
يلتسين.
عندما بدأت حالات التمرد في موسكو 1993 وشرق أوكرانيا 2014 كان الفشل محتوما، فقد بدا القادة وأتباعهم مشوشين وواقعين تحت تأثير الحنين للماضي ونظريات المؤامرة والتخيلات عن عمق دعمهم الشعبي. والصفة المشتركة الأخرى هي الإيمان، ففي شرق أوكرانيا كان المتمردون ثملين أحيانا وعدوانيين ومنفصلين عن الواقع، لكنهم آمنوا تماما 
بقضيتهم.
بدأت العملية بسيل من الحملات الدعائية على التلفزيون الروسي وهو المصدر الرئيس للأخبار لدى غالبية السكان، ونشرت الخوف والغضب وزرعت قناعة أن المحتجين المعادين لروسيا في العاصمة الأوكرانية كييف سيتقدمون قريبا الى دونيتسك بأسلحتهم وسكاكينهم ليعيثوا في الأرض فسادا.
أعقب ذلك حرب استمرت لست سنوات وقتلت أكثر من 13 ألف شخص تقريبا كلهم من المدنيين. هرب المدنيون الذين لا تعنيهم "جمهورية دونيتسك الشعبية" منها علما أنهم يشكلون الغالبية العظمى ولم تعترف بها أي دولة حتى روسيا. وبقي فيها المؤمنون بها وكبار السن والعاجزون عن ا
لتنقل.
أما تمرد موسكو 1993 فقد تلاشى سريعا، على الأقل في الشوارع، وليس بالعقول. وتعهد الطيار العسكري السابق ألكساندر روتسكوي قائد التمرد بالقتال حتى الموت، لكنه استسلم بعد 24 ساعة مرتديا بزة عسكرية ونقل بحافلة مع شركائه الى سجن 
ليفورتوفو. 
روتسكوي حامل أوسمة كثيرة على خدماته في أفغانستان، تحول الى شخصية مثيرة للشفقة ومهزومة وحزينة، وكان خاسرا بلا أدنى شك.
 
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية