في كتابه الذي صدر بعد رحيله بمدة قصيرة (فلسفة النقد.. مقاربة مركَّبة) يسعى الناقد المغربي الدكتور محمد مفتاح إلى تبديد سوء فهم وتفاهم بشأن كثير من المفاهيم مثل النقد، التأويل، التاريخ، الحقيقة، وغيرها من المفاهيم التي يشكل على الكثير من النقاد والباحثين تحديد ما يرمي إليه حين يطرحها في دراسته، غير أن مفتاح يبين أن كل هذه المفاهيم تندرج ضمن ما يعرف بالنقد، الذي تستعصي على التعريف الجامع المانع، مكتفياً بتقديم تقسيم ثنائي، الأول: المعنى الحرفي الرائج، الذي يدعوه بـ المعنى العام، والثاني هو المفهوم السائد بين الفلاسفة، ومتفلسفة الأدب، مسمياً إيّاه بـ المعنى الخاص.
ويضيف مفتاح في كتابه: إن المعنى العام للنقد هو ما يستبطن أغلب المؤلفات، إذ يجد القارئ فيها أحكام القيمة مثل: جميل/ قبيح، سليم/ عليل، أصيل/ مزيف، فصيح/ ركيك، ثقافة عالمة/ ثقافة شعبية..، ويعثر فيها على تقسيمات المنطق، مثل: الإثبات/ النفي، السلب/ الإيجاب، الانسجام/ التناقض.
أما المعنى الخاص الذي يعنيه مفتاح، فيتمثل في أنه أعم من المدح/ القدح، العشق/ الكراهية، الترغيب/ الترهيب..، إنه انتقاء ما يحقق للإنسان حياة مقتصدة تراعي الماديات والروحانيات، ومن ثمَّ، فإن كل أفعال بني آدم وأعماله مؤسسة على تأويل نقدي، إشباعاً لضروراته، وحاجاته وكمالاته.
قسّم مفتاح كتابه إلى ثلاثة أقسام، عنون الأول بـ “الأسس” ويحتوي على أربع محطات، هي: المهاد، المنار، المعيار، والمسار. ويهدف هذا القسم إلى تقديم بعض المعطيات السيرية التي لها تأثير كبير في ما أنجزه مفتاح، سواء أتعلّق الأمر بالشكل أم بالمضمون؛ فمن حيث الشكل هناك حرص على الاقتصاد في العبارة ليتاح التعقيد والتقنين، لكن من دون إفراط ولا تفريط؛ وأما من حيث المضمون فهو يتجلى في الإيمان بنسبية النظريات والمناهج والخلاصات والنتائح.
وقد أطلق على القسم الثاني (البناء)، إذ عرض فيه الهندسة المقترحة على محك التجربة والاختبار ليمتاز ليل الادعاء من إشراق النهار على حدِّ قوله، ومرافق تلك الهندسة هي وحدة الأمة ووحدة الإنسانية ووحدة الفكر ووحدة المعرفة والصيرورة السرمدية. ويزعم مفتاح أن الأوضاع الجغرافية، والمعتقدات الدينية، والمقتضيات الاقتصادية، والأحوال الاجتماعية.. حتمت على نخبة الغرب الإسلامي أن يصوغوا عقيدة فكرية عامة تدعو إلى الوحدة الشاملة.
في القسم الثالث من الكتاب (الاعتماد)، دعا مفتاح فيه نصوصاً عربية، ونصوصاً مترجمة عن الفرنسية والانكليزية، لها صلة وثيقة بأطروحات الكتاب، أشرك القارئ في قراءتها وتأويلها حتى يتبين له الصواب من الخطأ في ما قدّمه في كتبه السابقة.
في حين كان القسم الرابع (الخاتمة) تذكيراً بالمبادئ الفلسفية والعلمية والفكرية التي رفعت عليها قواعد هذا الكتاب، مركزاً على بعض القواعد الإشكالية ليقدّم اجتهاداته الخاصة، وهي: الاتصال، اللغة، الحقيقة، والمسؤولية. الكتاب صدر عن المركز الثقافي للكتاب في المغرب، بواقع 256 صفحة من القطع المتوسط.