الصداقة زينةُ العمر

ثقافة 2021/01/19
...

  حسين الصدر
- 1 -
إذا كان الإنسان مَدَنيّاً بالطبع – كما يقولون- فمن الطبيعي جداً أنْ ينشط في مضمار التقاط حباتِ القلوب، وحقيقة الصداقة هي النفاذ الى قلوب الاصدقاء، واحتلال موقع متميز فيها، من خلال ما تغمرهم به من مشاعر المحبة والود، والتفاعل مع آمالهم وآلامهم من دون هوادة.
- 2 -
ليس صديقاً مَنْ لا يُشاطرك الهموم، ومَنْ لا يفكر إلّا بهمومِهِ الخاصة.
- 3 -
الصداقة مشروع إنساني واعد، ينفتح على عوالم فسيحة من الانسجام، والمسار المشترك المغموس بعبق الحب والمودة، وعمق أواصر الصلة، والعلاقة الراسخة التي لا تهتز ولا تضطرب، وتسمو فوق كل الاعتبارات المادية والمصلحية.
- 4 -
ومتى ما سمعتَ بأنَّ صديقيْن اخترقتهما فجوةٌ او جفوة فافهم أنّ الشيطان قد لعب دوره في إفساد العلاقة بينهما، وسرعان ما تعود المياه الى مجاريها كما كانت...،
إنّ الشيطان له دور فاعل في التفريق بين الأحباب.
 - 5 -
والصداقة عندي هي زينةُ العُمُر، فَمَنْ عاش وحيداً دون حُزْمةٍ مِنَ الاصدقاء افترستْه الكآبة، وفتكتْ به الوحشة المرّة، وأصبحت حياته يَبَساً لا اخضرار فيه.
- 6 -
الأطياب الأوفياء هم أكثر الناس حظاً في اجتذاب الاصدقاء، وأمّا المسكونون بالعُقد النفسية فيزهد فيهم الزاهدون، لاعوجاجٍ في سليقتهم، وانتهاجهم سلوكاً مشوبا بالكثير من النتوءات.
- 7 -
وفي الأمثال:
أُحُبُّ أخي لأنّه صديقي...!
وبالفعل فقد شهدنا الكثيرين وأصدقاؤهم أقربُ إليهم من أقرب الأرحام...!
- 8 -
وأنا أشكر اصدقائي – وهم بحمد الله كُثْرٌ – على ما يغمرونني به من مشاعر طيّبة، وعواطف كريمة، تبدّدُ عني الكثير من الاتعاب والاوصاب.
- 9 -
والمساجلات الشعرية بيني وبيْنَ الكثيرين منهم تشهد بأنَّ الحُبَّ بَيْننا متبادل، فهو ليس حُبّاً من طرف واحد...
ولا تُطلق أوصافُ الصداقة على مَنْ تُحبُه ولا يُحُبك...
- 10 -
وجميل هنا أنْ نُورد بيتَيْن أرسلهما لنا المرحوم العلامة الشيخ محمد جواد السهلاني إثْرَ انقطاع الهاتف في منزلي يَومَ كنّا في الشام في ثمانينيات القرن الماضي إذقال:
إنْ يُقطع (الهاتفُ) ما بَيْننا
فهاتفُ القَلبَيْنِ لم يُقَطَعِ
 
كنتَ أخا العلياء في منظر
من قلبي المُورى وفي مَسْمَعي
فأجبناه:
ما رنَّ فيما بيننا (هاتفٌ)
ورنّ صوتُ الحُبّ في مسمعي
برّحني الوجدُ وضجّ الهوى
فَنارُهُ تسعرُ في أضلعي
(انْ يقطع الهاتف ما بَيْننا)
فأنتَ في القلب مُقيمٌ معي
وكتبت له مرة ونحن في الغربة أقول:
سلوتي في غربتي طيبُ (الجوادِ)
فلقد أَوْحَشَني أَهلُ ودادي
وإذا ما ضَجَّ جُرْحٌ لاهِبٌ
فلنا مِنْ لُطِفه خيرُ ضمادِ
وقد سجل المرحوم الدكتور السيد جودت القزويني في كتابه (الروض الخميل) الكثير من هذه المساجلات.
{راجع على سبيل المثال ج6 ص 264 -267}