الحرب والثورة

آراء 2021/01/20
...

 علي المرهج
 
 
قد يبدو لنا أن التداول بمفردة الحرب مكروهاً، ولكنها قد تكون بدّاً مما ليس له بُدُّ، لا تسعى دولة يقودها عقلاء للحرب، ولكن وربما تكون الحرب هي الوسيلة الأخيرة للبقاء على الحياة والحفاظ على الكرامة، مثل الثورة، فكل الشعوب تتمنى أن تعيش بسلام ووئام، بلا تحديات بينها وبين السلطة الحاكمة، ولكن قد تصل المجتمعات إلى آخر المطاف لتجد في الثورة حلاً للخلاص من حُكامها وأتباعهم الفاسدين.
هناك مصلحة خاصة في الحرب، كما الثورة، وهي صفة مرذولة فيهما، ولكن قد تكون في الحرب والثورة مصلحة عامة، فليست كل حرب مكروهة، كما ليس كل ثورة مكروهة.
لا تظنون بأن الحرب والثورة شران دوماً، فقد يستهدفان الخير على ما في عواقبهما من تبعات وألم.
مهمة المحاربين تحقيق النصر، كما هي مهمة الثوار، وقد ينتصر كلاهما، وتذهب ضحايا كُثر، وبعد الانتصار نحلم بحياة ملؤها العدل والإنصاف، ولكن قد يتحول المحاربون والثوار فيما بعد الانتصار إلى آكلي لحوم البشر من فرط غرورهم ونرجسيتهم، فتجدهم يُعاملون أبناء جلدتهم بتعال مُفرط، وقد وسأكرر هذه (القد) كثيراً لأنها من مفردات التحفظ في القول والميل للاحتمال، الذي يقترب من الصدق كثيراً.
سيتحول المحاربون إلى قادة يتحكمون بمصائر الناس، كما الثوار الذين انتصرت ثورتهم ليتحولوا إلى (مجلس قيادة الثورة) الذي سيتحكم في ما بعد بمصير الدولة والأمة.
لا أحتاج لإثبات فكرتي هذه للاستشهاد بقادة محاربين وثوار انتصروا في الحرب والثورة، فحولوا الدولة إلى ثكنة عسكرية أو إلى إقطاعيات تحكموا بها بمصائر الناس ومجتمعاتهم التي خرجت للهتاف لدعم انتصاراتهم.
قيل (إن فن الحرب في تجنب الحرب)، وقد تصدق هذه المقولة في القول (إن فن الثورة في تجنب الثورة)، ولكن كلا القولين محكوم لا في الفاعلين في الحرب أو في الثورة، ولكنه محكوم بالضد النوعي الذي (قد) يجعل من الحرب أو الثورة أمراً محتوماً.
كلما ضعفت الثقافة أدباً وقيمة جمالية وأخلاقية في مجتمع ما، كثرت الحروب فيه والثورات، لأنها سلاح الذين لا يعرفون لغة الجمال والأخلاق أسلوباً للحياة والعيش، وكلما إنبرى الأقوياء للتحدي وبناء الدولة وفق منطق القوة، فتأكد أن مثل هكذا دولة وهكذا مجتمع سيكتب نهاياته المحتومة في الحرب أو الثورة آجلاً أم عاجلاً.
وكلما ضعفت القيم الجمالية والأخلاقية في مجتمع ما، كلما سهل انقياده من قبل شخص أو جماعة أكثر وعياً منهم في (الترويض) واللعب على عواطف الجمور من بسطاء الناس ليكونوا أداة بيد حاكم فاسد.
أعتقد أن الفكر الذي يُنتج الحرب هو ذات الفكر الذي يُنتج الثورة، ولك أمثلة في الثورات العربية، التي أنتجها (الضباط الأحرار) لتستمر مُتقدة بحجم نزوعهم ووعيهم الثوري، الذي لم يترك لهم مجالاً للبحث عن حلول أخرى أقل (راديكالية) من الحرب والثورة.
ستكون المجتمعات التي يغيب بها فعل التأثير الثقافي والجمالي، أكثر تأثراً بخطاب الانفعال والوجدان التي يلعب عليها القادة الموتورون للتحكم في تغيير وتبديل توجهاتهم.
لا يهم القاعدة الجماهيرية أن يكون القائد غير مثقف، بل ـ ربما ـ تكون هذه من مستلزمات القيادة عندهم، فيكفيه أن له تأثير (الكاريزمي) يتحسس به هوى جمهوره، فهكذا جماعات لا تحتاج لعالم أو فيلسوف، بقدر حاجتها لشخص يستطيع التأثير بها وتحويل مسارات القناعة عندهم ذات اليمين وذات الشمال من فرط انغماسهم واعجابهم بشخصه الذي لا يعرفون له تفسيراً عقلانياً حينما تُحاجج بعضهم، وكأنه يُحب هذا الشخص لله بالله، تفوق محبته له محبة أهله وذويه.