العلم أدى ما عليه فهل ستؤدي منظمة التجارة العالمية ما عليها؟

آراء 2021/01/20
...

   براجيندرا نافنيت                                       
اقتراح تنازل عن اتفاقية TRIPS (حقوق الملكية الفردية) لصالح الهند وجنوب إفريقيا وأعضاء آخرين، مقترح من الهند وجنوب إفريقيا وثماني دول أخرى، يدعو منظمة التجارة العالمية (WTO) إلى إعفاء الدول الأعضاء من إنفاذ عدد من براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية الأخرى (IP)، بموجب اتفاقية منظمة التجارة العالمية الخاصة بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، والمعروفة باسم تريبس TRIPS، لفترة محدودة من الوقت، 
الهدف من ذلك هو التأكد من أن حقوق الملكية الفكرية IPRs لا تقيد التوسع السريع في تصنيع لقاحات وعلاجات كوفيد-  19.  في الوقت الذي أعرب فيه عدد قليل من الأعضاء عن مخاوفهم بشأن الاقتراح، فإن نسبة كبيرة من أعضاء منظمة التجارة العالمية تؤيد الاقتراح، كما حظي المقترح بدعم مختلف المنظمات الدولية والوكالات متعددة الأطراف و المجتمع المدني العالمي. بعض الأحداث تتطلب اتخاذ إجراءات غير تقليدية، ولقد رأينا ذلك في إجراءات معينة مثل الإغلاق الشامل لفترة محدودة، والذي كان تدخلا سياسيا للحد من انتشار الوباء، صرح صندوق النقد الدولي (IMF) في إصداره لشهر تشرين أول 2020 في “آفاق الاقتصاد العالمي” بأنه “... و مع ذلك، فإن مخاطر نتائج نمو أسوأ مما كان متوقعا تظل كبيرة، إذا عاد الفيروس للظهور، كان التقدم في العلاجات واللقاحات أبطأ مما كان متوقعاً، أو إن بقي وصول البلدان إلى اللقاحات غير متكافئ، فقد يكون النشاط الاقتصادي أقل من المتوقع مع تجديد اجراءات التباعد الاجتماعي وتشديد الإغلاق”، يبدو أن الوضع أسوأ مما كان متوقعاً، فقد فقدنا بالفعل 7 ٪ من الناتج الاقتصادي حسبما كان متوقعاً في عام 2019. و هو يُترجم إلى خسارة تزيد عن 6 تريليونات دولار أميركي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حتى التحسن بنسبة 1 ٪ في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من السيناريو الأساسي، سيضيف أكثر من 800 مليار دولار أميركي في الناتج العالمي، مما يعوض خسارة أقل بكثير لقطاع من الاقتصاد على حساب الإعفاء المقترح.   
مجرد إشارة لضمان الحصول على اللقاحات والعلاجات في الوقت المناسب وبأسعار معقولة ستعمل كمعزز كبير للثقة لإحياء الطلب في الاقتصاد، مع ظهور لقاحات ناجحة، يبدو أن هناك بعض الأمل في الأفق، ولكن كيف سيتم جعلها في متناول سكان العالم وبأسعار معقولة؟ السؤال الأساسي هو ما إذا كان سيكون هناك ما يكفي من لقاحات كوفيد-  19 ، كما تبدو الأمور الآن، فإن أكثر السيناريوهات تفاؤلاً اليوم لا يمكنها ضمان الوصول إلى لقاحات وعلاجات كوفيد-  19 لغالبية السكان في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء بحلول نهاية العام 2021. 
اتفق جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية من ناحية أن هناك حاجة ملحة لتوسيع القدرة التصنيعية للقاحات والعلاجات لتلبية الاحتياجات العالمية الهائلة، يسعى اقتراح التنازل عن اتفاق تريبس إلى تلبية هذه الحاجة من خلال ضمان ألا تقف حواجز الملكية الفكرية في طريق هذا التوسع في القدرة التصنيعية.    
لماذا المرونة الحالية بموجب اتفاق تريبس ليست كافية؟
المرونة الحالية بموجب اتفاق تريبس ليست كافية، لأنها لم تأخذ مسألة انتشار الأوبئة بالحسبان، يتم إصدار التراخيص الإجبارية على أساس كل بلد على حدة، كل حالة على حدة وكل منتج على حدة، حيث يتعين على كل ولاية قضائية تحت نظام الملكية الفكرية، أن تصدر تراخيص إلزامية منفصلة، ما يجعل التعاون بين البلدان أمراً مرهقاً للغاية، وبينما نشجع على استخدام جوانب المرونة في اتفاق تريبس، فإن تنفيذها يستغرق وقتا طويلاً ومرهقاً، و من ثمّ، فإن استخدامها وحده لا يضمن الوصول في الوقت المناسب إلى اللقاحات والعلاجات بأسعار معقولة. و بالمثل، لغاية الأن لم نشهد تقدماً مشجعاً في ما يتعلق بمبادرة منظمة الصحة العالمية الخاصة بجمع المعلومات لمواجهة كوفيد-  19، التي تشجع المساهمة الطوعية للملكية الفكرية IP والتكنولوجيا والبيانات، لدعم المشاركة العالمية وتوسيع نطاق تصنيع المنتجات الطبية المتعلقة بـكوفيد-  19 التراخيص الطوعية، حتى في حالة وجودها، فهي محاطة بالسرية. الشروط و الأحكام الخاصة بها ليست شفافة، و يقتصر نطاقها على كميات محددة أو لمجموعة فرعية محدودة من الدول، و من ثمّ فالمرونة الحالية تشجع العمل ضمن بلد واحد أكثر من كونها تشجع التعاون الدولي الحقيقي.   
لماذا هناك حاجة لتجاوز مبادرات التعاون العالمي الحالية؟
مبادرات التعاون العالمي مثل آليات  COVAX و ACT-Accelerator (مبادرة عالمية لضمان الوصول السريع و العادل إلى لقاحات كوفيد-  19) غير كافية لتلبية الاحتياجات العالمية الهائلة لـ 7.8 مليارات شخص. تهدف مبادرة ACT-A إلى شراء ملياري جرعة من اللقاحات، بحلول نهاية العام المقبل (2021) و توزيعها بشكل عادل في جميع أنحاء العالم. و مع ذلك، مع نظام الجرعتين، سيكفي هذا فقط لمليار شخص في العالم، وهذا يعني أنه حتى لو تم تمويل ACT-A بالكامل وبشكل ناجح، وهو ليس الحال الآن، فلن تكون هناك لقاحات كافية للغالبية من سكان العالم. 
    
الخبرة السابقة
خلال الأشهر القليلة الأولى من الوباء الحالي، رأينا أن الرفوف قد تم إفراغها من قبل أولئك، الذين تمكنوا من الحصول على الكمامات ومعدات الوقاية الشخصية والمعقمات والقفازات وغيرها من العناصر الأساسية لـمواجهة كوفيد-  19 حتى من دون الحاجة الآنية لها، لا ينبغي أن يحدث الشيء نفسه في موضوع اللقاحات. في النهاية، كان العالم قادراً على تكثيف تصنيع أساسيات مواجهة كوفيد-  19 عندما لم تكن هناك حواجز IP الملكية الفكرية تعوق ذلك، في الوقت الحالي نحن بحاجة إلى نفس تجميع حقوق الملكية الفكرية والمعرفة، لتوسيع نطاق تصنيع اللقاحات والعلاجات، و هو أمر لم يتحقق للأسف، مما يستلزم الحاجة إلى اقتراح التنازل عن اتفاقية تريبس.  إن الوباء – و هو حدث استثنائي يحدث مرة واحدة في العمر – هو الذي حشد تعاون العديد من ذوي العلاقة، إن المعرفة والمهارات التي يمتلكها العلماء والباحثون وخبراء الصحة العامة والجامعات، هي التي مكنت من التعاون عبر البلدان والتمويل العام الهائل، الذي سهّل تطوير اللقاحات في وقت قياسي – و ليس الملكية الفكرية وحدها! 
 
الطريق إلى الأمام
إنّ اقتراح التنازل عن اتفاقية تريبس هو استجابة هادفة و متناسبة لحالة الطوارئ الصحية العامة الاستثنائية، التي يواجهها العالم اليوم، مثل هذا التنازل يندرج ضمن أحكام المادة التاسعة من اتفاقية مراكش Marrakesh Agreement التي أنشأت منظمة التجارة العالمية WTO. هذا المقترح يمكن أن يساعد في ضمان عدم فقدان الأرواح البشرية بسبب عدم توفر اللقاحات في الوقت المناسب و بأسعار معقولة، اعتماد الإعفاء (التنازل عن اتفاقية تريبس) سيؤدي أيضاً إلى إعادة ترسيخ مصداقية منظمة التجارة العالمية و إظهار كيف أن النظام التجاري متعدد الأطراف سيبقى مهماً ويمكن أن يحقق نتائج في أوقات الأزمات، حان الوقت الآن لأعضاء منظمة التجارة العالمية للعمل واعتماد التنازل لإنقاذ الأرواح والمساعدة في إعادة الاقتصاد إلى مسار الإنعاش 
بسرعة. في حين أن إتاحة اللقاحات كان اختباراً علمياً، فإن جعلها في المتناول وبأسعار معقولة سيكون اختباراً للبشرية، يجب أن يتذكرنا التاريخ بالحصول على “تصنيف AAA”، واحدة لصنع لقاحات و علاج كوفيد-  19 والثانية لإمكانية الوصول لها والثالثة لسعرها المناسب، وليس للحصول على “تصنيف A” واحد فقط عن صنع اللقاح، أجيالنا المقبلة لا تستحق أقل من ذلك.
 
*السفير والممثل الدائم للهند لدى منظمة التجارة العالمية