سلام مكي
لعل أخطر ما تقوم به السلطة السياسية، هو تشريع القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات، ذلك أن التشريع أو القانون، هو المحرك الأساس لأي نشاط سياسي أو اجتماعي أو ثقافي، ومرة يكون القانون، مؤطرا للنشاط الانساني، ومرة يكون معرقلا له، وهذا يعتمد على المعايير الفنية والذاتية في سن ذلك القانون، تلك المعايير التي يضعها المشرع نفسه، تتأثر بجوانب كثيرة ومتنوعة، تعود بالنهاية إلى فلسفة المشرع أولا، والمناخ العام للدولة، في زمن النظام السابق كانت تصدر تشريعات وقوانين بطريقة معينة، تعتمد على مزاج شخص ما، وتعبر تلك التشريعات في فلسفة ذلك النظام، وتوجه الدولة آنذاك، اليوم ثمة توجه جديد ومختلف في صناعة القوانين، تسهم الظروف السياسية والاجتماعية في إقرار القوانين، وقد تشرع قوانين رضوخا للإرادة الشعبية، التي تعبر عنها التظاهرات أو الاحتجاجات.
وعندما يكون القانون، مساهما في توجيه النشاط العام، ودعمه بنصوص رصينة، فهذا يعني أن المشرّع استقرأ الواقع والميدان الذي سيشرع القانون من أجله، وهذا يعني أن من صاغ نصوص ذلك القانون، هم خبراء ومختصون في القانون وفي صناعة القانون حصرا. النظام العام والدستور من بعده، عندما أسندا مهمة تشريع القوانين إلى البرلمان، إنما أرادوا من ذلك أن يشترك الشعب في الصياغة، كون انه أي الشعب هو المعني بالقانون، وهو من سيطبق بحقه، أما إذا كان القانون عبارة عن نصوص تعرقل النشاط الذي تطبق عليه، وتضع العراقيل أمام طريق النمو والتطور في الميدان الذي شرعت من أجله، فإن هذا يعني حتما أن المشرّع أما غير قادر على تشريع القانون من خلال افتقاره إلى مقومات صناعة القانون، التي تشمل كما قلنا وجود مختصين، يتولون مهمة صياغة فقرات القانون، وكذلك وجود رغبة وإرادة حقيقية من قبل البرلمان في صياغة قانون، يشبع الحاجة الفعلية التي من أجلها تم تشريعه، ولعل سعي البرلمان إلى مراجعة التشريعات والقوانين التي أقرها، ضرورة من ضرورات التشريع وأحد فنون صناعة التشريع، خصوصا أن تلك القوانين، لا بدّ أن تمّ تطبيقها على أرض الواقع، وتمّ الكشف عن مكامن الخلل والنقص فيها، ومن ثم، فإنه من السهولة أن تعدّل أو تلغى، وفقا لمتطلبات المرحلة الجديدة، أما أن يبقى النص القانون على حاله دون تعديل، رغم بروز ثغرات ومشكلات فيه، ورغم تحوله من قانون منظم إلى
معرقل.