إنصات عن بعد .. لما فات من العزف

ثقافة 2021/01/23
...

رياض المعموري
الهدام نهري وطفولتي، وذاكرتي الأولى...
ريسان الخزعلي.. الفتى السومري الحالم المبدع الراكض في حقول اللغة الراقص مع الفراشات في الحقول والبساتين، السابح مع اسماك الأهوار، المحلق مع طيورها المهاجرة أبدا.. يحصد ما شاء من سنابل وعلامات شعرا وغناء.. يقطف نكهة الرب وطعم الصحو وأريج الطفولة وهي تلعب قرب نهر الهدام في ظل نخلات جده
 الثلاث...
ذاكرة شاعرة أو شاعر ذاكرة تتمرأي لنا كـ (نوستالجيا) خلاقة مبدعة أو الحنين إلى الماضي الجميل نسجها في صور شعرية عن قرى ومدن ونساء وأصدقاء، ويردد في قصائده أصداء أجراس الماضي ليبث من خلالها رسائل العشق وأسئلة الانكسارات..
يرسم أطياف سيرة مثقلة بالحنين إلى مسقط الرأس وصورة الجد وأصابع أمه على ثياب أبيه وهي «تشرهن» على حبال الغسيل..
ريسان الخزعلي شاعر مثقف نوعي يكتب الشعر بكل أنواعه باحترافية أستاذ خبير متفحص يبث من خلالها رسائله الفكرية والاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية في كيفية استخراج الملح من البئر حيث تدخل النساء الكادحات عرايا إلى جوف البئر ليستخرجن الملح حتى يباع كمصدر للرزق والتغلب على صعوبة العيش آنذاك..
ريسان الخزعلي يحسد زهرة الشمس لأنها تستريح عن الدوران حين يكتمل النهار ..
ويبقى يغني ويغني متحديا من يعيب عليه العزف فهو ليس كطائر التم يموت بأغنية وحيدة..
ما زال يحتفظ بالسجن في خزانته يسأل أن يرتديه بعد أربعة عقود معتزا بيساريته الفكرية وهو يخاطب روسبير: لقد أورثتنا عقدة الحبل في المشنقة.. وفي السجن أيضا تأتي زوجة..، تخفي تحت تنورتها كتب الثورة..
يعاتب أبا نواس أما أخذت بحكمة في أسانيد باخوس ؟ 
إن الطريق إلى الحلم ..، ما كانت موصولة بصحو يتكرر..
أسلافه السومريون كالقصب واقفين يغنون أحزانهم خضرة..
يغني لاصدقائه حسب الشيخ جعفر، موفق محمد، مظفر النواب، خليل الأسدي، أبو نواس، الحلاج، لوركا، سيزيف..
من حانة هافانا الى محكمة الثورة.. كنز/ طريق الشعب/ واختل الصواب..
(لم يك يوسف في جبٍّ ولا كان الغريق، كان من عمق يرى غرقى الطريق.. لم يقد يوما قميصه إنما آثار الجد إبراهيم في ظهر الفتى../ كانت الميراث واستهوى..، زليخا اللعب في مسك الحريق)..
هذا التمكن الفكري اللغوي الفذ في أعلى درجات الإبداع والبلاغة في تفسير معاكس وقصيدة لا تأكل نفسها..
كيف استعطت الخبز يا ريسان في بغداد؟
لقد أوهموك، فما من عشبه تغلب الموت يا كلكامش.
أنكيدو ضحية اللعبة وسيدوري علة التأويل..،
أنت لم تَرَ، هي التي رأت..
ريسان الخزعلي.. كائن شعري مغترب كما جده المتنبي «غريب كصالح في ثمود».. هذا الاغتراب لدى مبدعي الوطن وهم لم يغادروه لحظة أصابهم بالهومسك..
في الرسائل، في رنين الهواتف، في المجلات 
المهربة تحت العباءات، في
 الأقراص 
مخفية بين خصر ساخن وتنورة ضيقة، في
الوصايا التي تهمس سرا في:
شارع المتنبي، بار اتحاد الأدباء، مقهى حسن عجمي
عيون الصديق العائد توا ........./
كان أنين المنافي موسيقى تردد معزوفة 
/الهومسك/
يحاكي السياب في عشبه..  في الزجاج كأنها مزرعة..
مطر 
مطر ينقر النافذة
مطر
أم رذاذ يطير
من الجلد في رعشة ماطرة..؟
مطر ومزارع خانت..،
لماذا أبي لم يزل يشحذ الذاكرة..!
وأخيرا..
لم يبق شيء من التناغم
لقد تحطم اللحن بأكمله
وعبثا نفكر بأغنية أخرى..
أورفيوس وحده
في الغرفة المظلمة
من يدله على القيثارة..؟