طائر البلشون الأبيض

ثقافة 2021/01/23
...

عمار حميد
 
شعر الرجل العجوز بالإرهاق فجلس قليلاً من أجل الحصول على بعض الراحة، نظر باتجاه الشمس التي مازالت تتوسط السماء ثم رمى بنظره نحو الأفق سارحا بأفكاره ومن بين الركام المتناثر هنا وهناك.. 
ظهر طائر بلشون أبيض يمشي بهدوء وحذر، ابتسم الرجل العجوز بمرارة موجها حديثه للطائر: ربما لا تستطيع التكلم وربما تستطيع! لكنّك أيها الطائر الأبيض قد لا يعجبك أن تتحدث إليّ وتكتفي بالنظر والتحديق نحوي، أنا أعرفك منذ اللحظة التي أمسكت بها عصا النبش وكيس القماش الكبير، منذ أن كنت طفلاً لا يتعدى عمري الستّة سنوات أفتّش في المساحات الشاسعة لمكبّات النفايات على أطراف المدن، مدَّ يديه إلى الطائر وقال: أنظر إلى تلك الأيدي كم اصبحت مشققة ومسودّة، انظر الى وجهي المُتعب، هل تعلم لماذا أيها الطائر؟ إنه بسبب الأنانية المتجذرة فينا نحن البشر.. هل نحن بشر أم كنّا كذلك؟، تساءل الرجل العجوز بينه وبين نفسه بينما كان البلشون يتنقل بخطواته الواسعة بين أكوام الأزبال بحثا عن بقايا الطعام غير آبه بالحديث الموجه إليه. نهض العجوز وشيء من الغضب الممزوج بالحزن يعتريه موجها كلماته الأخيرة الى البلشون: اعلم أنك لا تفقه شيئا مما أقوله لك أيها الطائر الأبله بل إنك تسخر مني، ففي اللحظات التي سأبيع فيها بعض العلب المعدنية لأكسب منها قليلا من المال التافه العديم القيمة في نظرك ستسمو أنت فوق السحاب.