د. قيس العزاوي
لا ريب أن المصالحة الخليجية هي ثمرة جهود عربية ودولية، وعبرت عن ضرورات سياسية واقتصادية وامنية بشكل خاص، ربما تكون أبرز مترتباتها الاقليمية والدولية هي بداية مصالحة اخرى تجري فصولها العلنية والخفية بين فرنسا وتركيا بتشجيع من الادارة الاميركية الجديدة، ولن تخلو هذه المصالحة من تفاهمات تتعلق بعودة الالتزام بالامن الغربي المشترك برؤى ستراتيجية جديدة .
فلنحاول تقريب صورة ما جرى ويجري في واجهة العلاقات الدولية وما وراء الكواليس من تطورات ستنشأ من جراء تغيير الادارة الاميركية الجديدة ستراتيجياتها الدولية، والتي ستنعكس – في تقديرنا- ايجابيا على عدد كبير من الميادين: الثقافية والبيئية والصحية والسياسية والامنية: ثقافياً فإن ادارة الرئيس جو بايدن ستعود الى منظمة اليونسكو التي انسحب منها الرئيس السابق ترامب، وبيئياً ستعود الى اتفاقية باريس للمناخ، وصحياً ستعود الى منظمة الصحة العالمية، وسياسيا سوف تعطي تحالفاتها الاوروبية المكانة التي تستحقها بعد ان تدهورت كثيرا، وامنيا ستعيد تنشيط الحلف الاطلسي وتفعيل
دوره.
إن غياب الرئيس السابق ترامب عن المشهد السياسي الاميركي وتأثيراته الدولية سوف ينعكس مباشرة على العلاقات التركية الاميركية، فلن يكون بوسع الادارة الاميركية التبرير أو التغاضي عن تجاوزات تركيا الامنية والاقتصادية وهي كثيرة، وقد يضطر الرئيس بايدن لاخضاعها الى بيت الطاعة الغربي . وهو ما وعاه جيداً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما أكد مؤخراً على «ضرورة فتح قنوات الدبلوماسية والمصالحة على مصراعيها من أجل إزالة الغموض الذي ظهر في المنطقة بعد الانتخابات
الاميركية».
ولكي تحقق الادارة الاميركية الجديدة التقدم المطلوب على الساحة الدولية، فإنها ستكون مدعوة الى ترتيب اوضاعها التحالفية اوروبياً وحماية مصالحها الامنية والاقتصادية دولياً، واعادة توازن القوى لحلفائها المحتدمين في الشرق الاوسط.. ومن المحتمل ان تجري بعض التحولات
ومنها:
أولاً: في وقت تتنافس فيه أميركا مع الصين على قيادة العالم، سيتفرغ الرئيس الاميركي بايدن لاعادة ترميم جبهة الغرب التي تصدعت بفعل سياسات ترامب الهوجاء، وهو ما يقتضي الالتزام الكلي بسياسة أمنية واقتصادية وستراتيجية مشتركة، تكون اوروبا مركزها وتركيا واسرائيل اجنحتها الاقليمية.
ثانياً: سيعود الديمقراطيون الذين استرجعوا السلطة في الولايات المتحدة لمحاولة استيعاب كل التناقضات، التي نشبت في منطقة الشرق الاوسط بغيابهم ومنها العودة الى الاتفاق النووي مع ايران، ووقف التمدد العسكري التركي الى الدول المجاورة والكف عن سياسة زرع القواعد العسكرية التركية في العراق وسوريا وليبيا والسودان وقطر والصومال، العمل والتنسيق مع اسرائيل لتوسيع عمليات التطبيع مقابل اقرار مبدأ الدولتين والبدء بتنفيذه.
ثالثاً: تفعيل الدور الامني والسياسي لحلف شمال الاطلسي والتنسيق بين جيوشه البالغة 29 جيشاً، ويحتل الجيش الاميركي المرتبة الأولى بقدراته العسكرية وعدده الذي يصل إلى مليون و338 ألف جندي. ويأتي بعده الجيش التركي ليحتل المرتبة الثانية بعدد جند يصل إلى 435 ألف جندي، يليه الجيش الفرنسي، في المرتبة الثالثة، ويصل تعداد جنوده إلى 208 آلاف جندي. ووقف الاحتدام بين الجيش الثاني
والثالث.
رابعاً: الضغط على تركيا لوقف استخدامها لنظام الدفاع الجوي الروسي أس 400 لتعارضه مع انظمة تسليح جيوش الحلف الاطلسي والتفاوض معها لتزويدها بنظام الباتريوت الاميركي.
خامساً: التنسيق بين جيوش الحلف الاطلسي ووقف التناقضات التي تجعل تركيا تسهم في الحرب ضد حلفاء مثل فرنسا ومصر في ليبيا، وسحب الميلشيات المسلحة الاجنبية من ليبيا وهو ما بدأت بوادره تطل على الساحة الدولية من خلال تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعث مؤخراً رسالة إيجابية إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، وتصريح ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، الذي يؤكد ضرورة أن يكون هناك تواصل بين مصر
وتركيا.
تلك هي بعض الملفات التي ستبذل الادارة الاميركية الجديدة جهودا لتسويتها بين الدول الحليفة لها، ومنها ايضاً النزاع على تنقيب واستغلال الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.