بحيرة (رأس الذئب)

ثقافة 2021/01/24
...

جويس كارول أوتس
ترجمة جودت جالي
انه غسق مبكر عند البحيرة لأن السماء ترخمت بغيوم بعضها قاتم، ثقيل، متورم كجلود لحمية جاهزة للانفجار. إنه غسق مبكر لأنه كان هنالك رعد طوال العصر، ذلك الصوت الضاحك-المتموج في أسفل العمود الفقري، والبرق المتوقد، تشنجات أعصاب سريعة، تتشعب في السماء ثم تختفي قبل أن تستطيعي أن تريها بالضبط.
توجد قواربُ ذات محركاتٍ قليلةٌ في البحيرة.
رجال يصطادون السمك، ولا أحد يسبح بعد الآن، فهذا نهار في صيف ينتهي مبكرا. 
أنا، مرتدية بذلة الاستحمام المتجعدة الرطبة ذات القطعتين، أتكئ في المجاز الى إطار باب الكوخ الخشبي،  جاعلة نابض الباب الشبكي الصدئ متوترا.
أنت لا تدركين أن شبكة الباب صدئة حتى تشعري بحبيبات الصدأ على أصابعك، وتلمسين وجهك، وشفتيك.
أنت بحاجة لأن تشعري ﺒـــ “إني هنا! حية” وأنت تتذوقين الصدأ، وصفعات الأمواج على الساحل الحصوي تختلط به، بذلك المذاق.
على طول (رأس الذئب) عند سفوح جبال شوتوكوا تقع أكواخ الذكرى الصغيرةُ. 
ملمومة في مشبّكِ صفوفٍ مقسمةٍ على نحوٍ محتشم عند الطرف الجنوبي للبحيرة التي قيل إنها مشكلة على شكل رأس ذئب عملاق.
مسالك مخددة رملية، وقطع أراضٍ خالية من العشب، ومناشف وبذلات سباحة معلقة على حبال غسيل ببياض الطباشير في الغسق الملتم، وأجهزة مذياع مفتوحة الى أعلى صوتها، وأصوات صغار مرتفعة، يصيحون وهم يلعبون. يسوق سيارة بنفس ذلك اللون لغيوم العاصفة، يسوق متمهلا، ويمكنك القول يسوق بلا هدف، هو ليس في عجلة من أمره لأن يشعل مصابيح سيارته، يطوف فقط، على مسلك 23 العام المزفت ذي الاتجاهين، يطوف قادما من (بورت أورسكاني) ربما، حيث يسكن ربما، أو سكن. لكنه دفع حسابه وغادر الآن، أو أنه ترك وراءه بعض الثياب وأشياء في الغرفة المستأجرة لن يعود ليطالب بها.
لديك عم أطلقت عليه النار وهو يتحدث عن الأمر، ليس بمرارة، ولا حتى بسخرية، في الحرب، وكل ما يصلح له الآن، كما يقول، هو إدارة فندق رخيص في بورت أورسكاني.
هو يروي قصصا عن رجال كهذا، كيف يظهرون ومن ثم يختفون، وبلا أثر إن لم يكن يبحث عنهم رجال الشرطة، وحتى في هذه الحالة، في أغلب الأحيان، لا يعثر لهم على أثر، “من حيث يأتون مثل بذور القيقب المتفجرة”، وأنت تظنين أن “ما تريده بذرة القيقب ليس سوى أن تملأ الأرض بسكان من نوعها”.
هو يضع نظارات بزجاج قاتم، فيما يحل الليل.  يدور حول الأكواخ، يسمع صياح الصغار، ونباح الكلاب. قد يكون له مرافق. هؤلاء الرجال لهم مرافقون في فندق الغرف التي تؤجر لأسبوع في بورت أورسكاني، والمرافق امرأة، شيء غريب بالنسبة لي، الآن أخذت أتبينها، إنها امرأة ثقيلة كبيرة الصدر مثل خالتي الكبرى، شعرها مبيض، ولكنه ينمو. لديها ابتسامة سريعة عريضة مثل سكين تقطع في شيء طري.
إنها التي ستتكلم أولا تسألك إن كنت تعرفين أين كوخ شخص ما، وأنت لا تعرفين.. أو، فلنقل، أنت تتوجهين الى البحيرة، في الغسق البارق، أو تجلسين على الدرجات في رصيف القوارب حيث الأولاد الأكبر سنا يشربون من علب البيرة، وينبذون أعقاب السجائر في البحيرة. والوقت أصبح أكثر تأخرا، والليل أكثر ظلمة، والهواء يعبق برائحة المطر مع أنها لم تبدأ المطر بعد، والمرأة تسألك إن كنت ترغبين في الذهاب في نزهة بالسيارة، الى أولكوت حيث الكرنفال، ودولاب الهواء، إنها على مبعدة بضعة أميال فقط، وتسألك ما اسمك، وأنت خجولة الى درجة تقولين معها اسمك.
تحت المقعد الأمامي للسيارة يوجد قطعة من حبل غسيل، وما كنت لتتخيلي أن حبل الغسيل بهذه القوة. كل منهما لديه سكين، سكين من نوع المطواة، من مخزن تجهيزات بحرية الجيش، للقنص، وصيد السمك، شيء يقومون به بهذه السكاكين، وكل منهما، يقطر قطرات دم رفيعة، ولكني لست متأكدة من هذا، فلم أره بالضبط. أنا أتكئ على باب المجاز، نابض الباب الشبكي متوتر يكاد ينقطع، بعوض منجذب الى جلدي الحار، خارج العتمات. أرى المصابيح الأمامية على مسلك 23 أعلى البحيرة، على مبعدة ميل، أرى المرور البطيء، إنه صبور، يدور حول الأكواخ، ساعيا لطريق الولوج.
*****    
Joyce Carol Oates, I am no one you know, short stories, 2004 .
جويس كارول أوتس (من مواليد 1938) مؤلفة أميركية لأكثر من 85 مجلدا في النثر والشعر والدراما وحازت جوائز عديدة. تقوم بتدريس الأدب في جامعة برنستون منذ 1978.
فضلنا ترجمة معنى اسم البحيرة لوجود علاقة تعبيرية ورمزية مع النص.