ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
لا مفرَّ من محاسبة مسؤولي فرض القانون في واشنطن على مشاركتهم المفترضة في احداث العنف التي شهدها مبنى الكابيتول خلال هذا الشهر، كما ينبغي فرض عقوبات انضباطية على عناصر الجيش والشرطة الذين أخذوا اجازة من عملهم للمشاركة فيها، هذا كله لا شك فيه ولكن المحاولة الانقلابية لا يجوز النظر اليها عبر منظار أمني فقط، لأن هنالك قدرا لا يقل عن المسؤولية يقع على عاتق المليارديرات المانحين والشركات والمصالح الذين مكنوا لهذه اللحظة أن تتحقق.
لقد أخذت الصورة تتكشف، صورة الأفراد والمنظمات والمؤسسات الذين ألقوا بثقلهم وراء الحركة التي أقدمت على اقتحام الكونغرس.
«مجلس السياسة القومية» مؤسسة غامضة ذات نفوذ قوي تصفها الكاتبة «آن نيلسون» بأنها همزة الوصل بين الحشد البشري والوسط الاعلامي التابعين لليمين المسيحي، الذي يحظى بتمويل من جهات غربية ثرية وستراتيجية اطراف سياسية من الجناح اليميني للحزب الجمهوري، في السنة الماضية دعا هذا المجلس المشرعين في ست ولايات متأرجحة الى معارضة فوز «جو بايدن» في الانتخابات، وكان من المقرر ان يتحدث قادته خلال المسيرة في صباح 6 كانون الثاني بعد ان شجع «دونالد ترامب» أنصاره بالزحف الى الكابيتول.
من بين الذين وردت اسماؤهم ضمن المشاركين في المسيرة «كاري سيفرينو» رئيس ما يسمى «شبكة الأزمة القضائية». هذه الشبكة أسهمت بملايين الدولارات لصالح «اتحاد المدعين العامين الجمهوريين» الذي يرمز له اختصاراً بكلمة «راجا»، كذلك ارسل ما يسمى «صندوق الدفاع عن سيادة القانون»، وهو ذراع حشد التمويل لـ»راجا»، رسائل الكترونية تحث انصار ترامب على الزحف الى الكابيتول استباقاً لمسيرة يوم 6 كانون الثاني، حيث سيلقي المدعي العام لولاية تكساس «كين باكستون»، وهو الرئيس السابق لـ»راجا»، كلمته. بيد أن قائمة كبار المتبرعين لـ»راجا» لا تقتصر على جبابرة الجناح اليمني: مثل «كوك للصناعات» و»وولمارت» وأسرة «أديلسون»، بل تضم أيضاً بين صفوفها اسماء شركات كبرى مثل «كومكاست» و»أمازون» و»تيك توك». رغم ان «كوك للصناعات» هي الجهة المفردة الأكبر في التبرع لممثلي الحزب الجمهوري الذين تعهدوا بنقض نتائج الانتخابات، فإن الذين يلونها كأكبر المساهمين، وفقاً لـ»مركز الإعلام والديمقراطية»، يشملون شركات دفاع مثل «بوين» و»نورثورب غرومان» و»رايثون»، اضافة الى «أمازون» للتكنولوجيا و»غولدمان ساخس» للتمويل و»أفلاك» للتأمين.
أنفق «دك أوهلين»، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «أولن» للشحن ومن المساهمين في شبكة كوك للتبرعات، مبلغ مليوني دولار على الأقل من اجل إيصال «جوش هاولي» الى مقعد في مجلس الشيوخ الأميركي، كما أسهم بأكثر من 4 ملايين دولار دعماً لأنصار حزب الشاي، وشركته واحدة من 11 مجموعة مدرجة على قائمة المشاركين في ائتلاف «أوقفوا السرقات». في العام 2019 وصل اكثر من 20 مليون دولار عبر «صندوق التبرعات»، وهو صندوق مخصص لتمويه المصادر المانحة لأكثر من عشر منظمات مهمتها في نهاية الأمر الطعن بنزاهة الانتخابات الرئاسية في 2020، ومن ضمن ذلك 103 آلاف دولار لأنصار حزب الشاي (ولو أن «جيني بيث مارتن»، وهي احدى المشاركات بتأسيس حزب الشاي، نفت اي انفاق من جانبهم لمسيرة «أوقفوا السرقات» كما شجبت العنف الذي وقع).
الصحافة الاستقصائية سوف تواصل عملها في اقتفاء آثار شبكات التمويل، التي ساعدت على حدوث ما حدث في 6 كانون الثاني، وقائمة الاسماء سوف تزداد طولاً وأعداد المساهمين سواء كانوا جهات منفردة أم تابعة لمؤسسات سوف يتعاظم، بيد أن الأمر الواضح منذ الآن هو ان ما وقع في الكابيتول لم يأت كنتيجة غير مقصودة لحملة تبرعات ضلت عن الصواب، بل كان تعبيراً عن ازمة رأسمالية مستمرة أوغل عمقاً ومحاولات من جانب الطبقة الحاكمة لإدارة تلك الأزمة. حصار مبنى مجلس الشيوخ كان معركة واحدة في هجوم متواصل على الديمقراطية منذ عقود. الايديولوجيون العرقيون مثلوا طليعة ذلك الهجوم، ولكنهم كانوا يلقون الدعم منذ أمد طويل من حلقة واسعة من الرأسماليين، في الجهر حيناً وسراً في اغلب الأحيان). غلاة التطرف من متعصبي «نعيد الى أميركا عظمتها» وطائفيو حركة «كيآنون» والفاشيون الذين اقتحموا مبنى الكابيتول على اختلاف مشاربهم، كانوا قوة صدمة تبحث عمن يقودها، لكن قد يثبت في النهاية أن ترامب اشد انشغالاً بذاته وأشد جبناً وكسلاً من ان يتولى هذه المهمة.
مهما بلغت اعداد الذين سيعتقلون او المسؤولين الذين سيفصلون او يعزلون من مناصبهم، فإن أمواج التاريخ قد أعادتنا الى تلك السواحل الخطرة، سواحل العنف السياسي والفوضى الجماعية.
بريندان أوكونر/عن صحيفة الغارديان