رعد اطياف
يمكن القول بوجود أربع سلطات في بلدنا السلطة القضائية، والسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، و"السلطة العشائرية". وان هناك من يفضل العشيرة في النزاعات ذات الطابع الثأري.
أو قضايا القتل؛ إذ يبقى الثأر سارياً، وحق العشيرة لا يسقط بالقانون المدني، بمعنى حتى لو اتخذ القانون المدني مساره الصحيح، فستبقى دية القتل سارية المفعول، فالمتدين يفضل"شريعة العشيرة" على شريعة الفقه الإسلامي في الديات، إن الحديث عن العرف العشائري يميت القلب ويجلب الهم، والمتتبع لسلوكيات الفرد العراقي ستتضح له هذه المعضلة العويصة، حيث ما زالت "السلطة التشريعية العشائرية" بكيفية معينة، شغّالة بشكل حيوي من دون أن تجد لها رادعا قانونيا إلى حد كبير؛ فالنزاعات العشائرية، وما تسمّى بـ "دكـَة العشاير"، والفصل العشائري، وجواز قتل المرأة لقضايا الشرف، والولاءات للقرابة، ما زالت تشكل مجمل مكونات الثقافة العراقية، ولم تتدخل الدولة في حل النزاعات العشائرية، خصوصاً في قضايا الشرف والعِرض، فنجد القوات الأمنية تنزوي بعيداً، مفضلةً عدم التدخل، لكي لا يتعرض أفرادها للمساءلة العشائرية!.
فهناك عالمان موازيان: القانون المدني، و"القانون" العشائري، يتأرجح الفرد العراقي، ويتناقض بشكل سافر من خلال الجمع، وعدم التفريط بينهما!؛ لأنه يعلم جيداً عدم ضمان أحدهما بمفرده، أعني، لا يطمئن الفرد العراقي لسلطة القانون المدني لوحدها، وعلى نحو مماثل، لا يطمئن لـ"قانون" العشيرة لوحده؛ فقد قرر الجمع بين الاثنين!. قبل فترة من الزمن حدث نزاع مسلح بين عشريتين أودت بما لا يقل عن خمسة أرواح، واحترقت منازل المتقاتلين أمام صمت القوات الأمنية، نستخلص من هذا، أن هناك سلطتين تشريعيتين تحكمان هذا البلد: "السلطة التشريعية العشائرية"، والسلطة التشريعية المدنية.
وقد يحلو لذوي البدلات الأنيقة أن يصدعوا رؤوسنا عن القانون والحريات والفكر السياسي، لكنّهم لا يتورعون من التنابز بالألقاب والتهديد العشائري تحت قبّة البرلمان، فالحديث عن مجتمع مواطني سابق لأوانه في العراق، إذا ما زالت معالم المجتمع التقليدي شاخصة بقوة، ولها تأثير ونفوذ كبيرين في ذاكرتنا وسلوكنا، فمن هنا نعرف، بشهادة حنا بطاطوا، أن العراقيين لديهم نفور غريزي من المؤسسة. مضافاً إلى كرههم الواضح للتنظيمات السياسية. إضافة إلى ذاكرة القمع السياسي التي ترافقت مع ثقافة الحزب الواحد، مما تترك آثاراً سلبية في ثقافة العراقيين تجاه التنظيمات السياسية.
إلا أن الأمر، على عمومه، يرجع بأصول تاريخية أقدم من التشكيلات السياسية الحديثة: إنها سلطة الشيخ التي تقف بالضد من كل ما يمت للحياة للمدنية
بصلة.