الاختلاف غنى

آراء 2021/01/26
...

 رفيف الشيخلي
من النادر أن ننتبه إلى الأهمية البالغة للاختلاف، وبأنه هو الذي ساعد على تطور العلوم والمعارف، وتكوين الحياة التي نعيشها نحن، فلولا اختلاف الليل والنهار، واختلاف الفصول، لما عُرف دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها، ولما عرفنا الشهور والأيام والزمن والتاريخ، ولولا اختلاف الأفكار والتأويلات، لما تطورت الفلسفات والعلوم، وحين اكتشف داروين تلك الاختلافات في بعض أنواع الطيور والحيوانات، نشأت نظرية التطور، واختلافات الشعوب وظروفها عبر الزمن أدت إلى علوم الأنثروبولوجيا.
تصوروا لو أن لا اختلافات هناك، هل كنا سنعرف الفن والأدب؟ فلولا تلك الميزة المهمة جدا في الوجود، لما كانت هناك ثقافات وفنون، من أين سيجيء الفنان أو المبدع بما يميزه لو كانا متشابهين؟ 
أليست شهرة بيكاسو مثلا أو فان كوخ هي اختلاف الأسلوب؟ ونحب ميلان كونديرا وأمبرتو إيكو لأن لديهما طريقتهما الخاصة في تناول المواضيع في 
رواياتهما؟ 
ورغم كل ما يمكن لتك التفاصيل المهمة أن تفعله للتطور الفكري  والثقافي وكل مناحي الحياة، نجد أن مجتمعاتنا الشرقية بالخصوص، تتعامل مع الاختلافات وكأنها تهمة قبيحة، بل تحاول إلغاءها بكل الطرق من المحاربات المباشرة إلى السخرية والتجاهل، وقد يصل الأمر إلى الإقصاء 
الاجتماعي. فيصير لزاما علينا أن نفكر مثل الجميع، ونتصرف بشكل آلي يقتل عفويتنا كي نصبح مجرد نسخ، حتى مشاعرنا وتوجهاتنا تصير تلبية للمجتمع وليس لنا، والأمثلة عديدة، يجب ان يتزوج الشخص في سن معين، وإلا فهو غريب عن المجتمع، وأن يلد، يجب أن يتصرف بالطريقة نفسها التي يقوم بها الكل، أن يفكر مثل البقية، حتى تلك الفئة الصغيرة التي تحاول التعبير عن اختلافها عن طريق المظهر يتم التعامل معها بسخرية، وأحيانا بعنف، هذا دون الحديث عن الاختلافات الكبرى، كالتوجهات الفلسفية والدينية والسياسية، والجنسية أيضا، فما أن يفكر أحدهم بذلك، سيشعر أن المجتمع كله أصبح ضده، إلى درجة صار مجرد السؤال والتفكير في مثل هذه المواضيع أمرا مثيرا للدهشة والشك، ومخيفا قد يؤدي بالشخص إلى عدم البوح بما يعتمل في فكره أو ما يكبته من مشاعر، وسيبحث بالتأكيد عن طرق أخرى للتفريغ، قد لا تكون محمودة في وضع مثل ما نعيشه في أوطاننا، كأن تشابهاتنا في البلد، وظروف تاريخية معينة، ومنطقة جغرافية تعرف  الطقس والـ«أجواء» والتاريخ نفسه، كل ذلك غير كاف للتأكيد على انتمائنا وهويتنا، فيصير لزاما علينا أن نكون نسخا، مجرد أرقام، فحين يُمنع التعبير عن الاختلاف مهما كان شكله وكيفيته، فإننا بذلك لا نكون 
أفرادا.
تخيلوا، مثلا، لو أن شخصا يملك 15 نسخة من الكتاب نفسه، فهل هو يملك 15 كتابا؟ لا طبعا، هو يملك نسخا فقط، هكذا نحن في مجتمعات نكون فيها مجبرين على أن نكون متشابهين في العديد من الأمور والأفكار، نكون أرقاما، ومجرد نسخ، وطبيعي، أن مجتمعات كهذه، صعب أن تعرف تطورات مهمة، لأن النسخ ستكرر بعضها دائما، ولن تنتج معارف 
جديدة.