العراق خلال إدارتي ترامب وبايدن

آراء 2021/01/26
...

   عبد الحليم الرهيمي
نصب الرئيس الاميركي السادس والاربعون جوزيف بايدن بعد ساعات من مغادرة الرئيس السابق (الجدلي) دونالد ترامب البيت الابيض والتوجه الى ولاية فلوريدا لممارسة لعبة (الغولف)، من دون ان يقوم بعملية التسليم والتسلم مع الرئيس الجديد القادم، كما لم يحضر أحد لوداعه من الرسميين وذلك من دون أن يفوته اطلاق تصريح مثير ومبهم بقوله (سأعود بأي طريقة) !
هذا المشهد يضيف فصلاً آخر لحالة الاحتقان والانقسام، التي يعيشها المجتمع الاميركي منذ بداية الحملات الدعائية لانتخابات الرئاسة مروراً بحدث اقتحام مبنى الكابتول، الذي يتواجد داخله مبنى الكونغرس وهما رمزان مهمان لجميع الأميركيين، وصولاً الى فصل يوم التنصيب الذي وصف بعض الاعلام مشهده بأنه
 (كئيب) . بالنسبة للعراق، كما للعالم، لا يمكن تجاهل أهمية الربط لآثار وتركة سياسات ترامب خلال السنوات الاربع من ولايته، سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، مع القادم الجديد للبيت الأبيض جو بايدن الذي عبر في حملته الانتخابية عن خطوطها الرئيسة، فضلاً عن التزامه بسياسات الحزب الديمقراطي وربما بعض سياسات اوباما في ولايتيه، حيث يشير كل ذلك الى التباين والاختلاف بين سياسات ترامب وبايدن، ومنها ما انعكس وسينعكس، بمختلف التعبيرات، على تطورات الوضع في العراق ومشكلاته
 المعقدة . مع ذلك، ومهما تكن طبيعة تلك التباينات والاختلافات بين رؤساء الولايات المتحدة تبقى محددة بسقف المصالح الوطنية العليا للشعب الاميركي ولأميركا، من دون ان يلغى ذلك او يحد من السياسات الخاصة بكل رئيس الذي يضع بصماته عليها .
لقد اتسمت الخطوط العامة لسياسة ترامب تجاه العراق بالايجابية بوجه عام، سواء باستمرار الدعم الامني والعسكري والاقتصادي او بالابقاء، من دون تفعيل، لاتفاقية الاطار الستراتيجي (صوفا) التي عقدت ابان ولاية اوباما، وان اتسمت تلك المواقف بقدر من التوتر والسلبية أزاء حكومة عبد المهدي، وقد توجت المواقف الايجابية بمخرجات جولتي الحوار الستراتيجي بين البلدين، خاصة الجولة الثانية التي جرت في واشنطن وترافقت بالاحتفاء المميز برئيس وزراء العراق بالبيت الابيض، والذي فهم بأنه لم يكن احتفاءً به فحسب انما احتفاء بالعراق وشعبه.
لكن في موازاة ذلك اتسمت سياسة ترامب تجاه ايران بالتصعيد والتوتر والتهديدات المتبادلة، الامر الذي انعكس سلباً على الاوضاع في العراق، خاصة بعد تطويق وحرق واجهة السفارة الاميركية ببغداد والتي اعقبتها حادثة المطار التي راح ضحيتها كل من ابي مهدي المهندس وقاسم سليماني، اذ سبق ذلك واعقبه قصف المجموعات المسلحة  التي توصف بالولائية، للسفارة والمصالح الاميركية، وهو الامر الذي ادى الى احراج الحكومة العراقية، بين مطالبة واشنطن للجم هذه المجموعات وتردد او تريث الحكومة من القيام بذلك .
اما السياسات التي من المتوقع ان ينتهجها بايدن تجاه العراق وتجاه دول المنطقة المؤثرة في الوضع العراقي مثل ايران، فإنها ستتسم، كما يتوقع، بتوجهها العام نحو المواقف المواقف الايجابية الداعمة للعراق، وان كانت بعض التقارير مثل تقرير مجلة (فورن بوليسي) الاميركية التي توقعت في عددها الاخير ان يكون اهتمام بايدن بالعراق في التسلسل الاخير في قائمة اجندته . 
لكن مع ذلك، فان من الاحتمالات المرجحة هي ألا يقدم بايدن مثلاً على الغاء اتفاقية الاطار الستراتيجي ولا مخرجات جولتي الحوار الستراتيجي، والذي ربما تتواصل جولاته، فضلاً عن استمرار الدعم العسكري والتدريبي والدعم الاقتصادي بحدود ضيقة كما كان في عهد باراك اوباما.
غير ان المثير للاهتمام والتحسب من انعكاساته السلبية هو الاتفاق على الحوار بين واشنطن وطهران حول العديد من القضايا الخلافية بينهما وفي مقدمها قضية (الاتفاق النووي) الذي اقرته الدول (5+1) وانسحب منه 
ترامب . 
وبالطبع يمكن تصور حجم الخلاف وصعوبته اذا تم الاتفاق على الحوار والتفاوض بينهما، بعد ان اصبح لكل طرف (أجندة) جديدة تختلف عن السابق، ففي حين تركز ايران على البحث فقط في (الاتفاق النووي) ورفع العقوبات عنها، ترى ادارة بايدن، وفق ما صرح به هو عدد من طاقمه الوزاري الجديد ان يشمل قضية الصواريخ البالستية وكذلك امتدادات النفوذ الايراني الى دول المنطقة الذي يصفونه بـ (المزعزع
 للاستقرار) .
وبطبيعة الحال فإن مسار المفاوضات، ان حدث، سيتسم بالتعثر وبالشروط والشروط المضادة مما ينعكس سلباً، كما متوقع، على الوضع في العراق، وهو الامر الذي يتطلب من صناع القرار في العراق التحسب بدقة لذلك بالحوار مع طهران وواشنطن والدول العربية المعنية، لإبعاد العراق عن اي تأثيرات سلبية من ذلك الحوار وتوفير ما يتطلبه ذلك من مساع وجهود دبلوماسية
 نشطة .