د. كريم شغيدل
الفقراء حطب الحروب، فهم الجنود المجهولون المضحون بأرواحهم دفاعاً عن الوطن، بينما ينعم القادة والملوك والرؤساء وذوو القربى والأثرياء بمجد الانتصارات، وهم حطب لنيران الفتن بينما ينعم مشعلو الحرائق بالغنائم، وهم حطب القمع والاضطهاد والتسلط والاستبداد والتطرف والتكفير والإرهاب، بينما ينعم الفاسدون والمتسلطون والطائفيون والعنصريون برغد الأمان، وطبعا لن تكون مجزرة ساحة الطيران آخر محارق الفقراء.
بغض النظر عن التحليلات والسيناريوهات والغايات والأغراض التي تكمن وراء عودة التفجيرات الانتحارية، وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراءها، نقول إلى متى يبقى فقراؤنا حطباً؟ كم مرة استهدفت مثل هذه الأسواق التي تعج بالفقراء من باعة ومتبضعين، ألا يمتلكون حق الحماية أسوة بمكاتب المتنفذين ومواكبهم؟ أليسوا أحق بالحماية مما ينعم به الفاسدون من أفواج حمايات وعربات مدرعة؟ فالمعنى الحقيقي للأمن هو أمن المجتمع لا أمن السياسيين، ولن يكون السياسي بأمان طالما المواطن تحدق به الأخطار.
أ هو جبن من الجهة المنفذة ألا تستهدف مثلاً أهدافاً أخرى، أم هناك غاية أخرى باستهداف أولئك الفقراء؟! واقعياً المستهدف هو العراقي، بغض النظر عن هويته ومكانته ومنزلته، وطبعاً المناطق المزدحمة والأقل حماية هي الهدف الأكثر حيوية بالنسبة للإرهابيين، لكن الأمر الأهم هو لماذا تترك مثل هذه الفجوات والمناطق الرخوة، لماذا نمنح العدو ما يحلم به ويخطط له، فالإرهاب لم ينته كلياً وإن انتصرنا عليه وحررنا مدننا الباسلة من سطوته، ولا تزال هناك خلايا نائمة يشار إليها يومياً في نشرات الأخبار، وعمليات عسكرية تعالج وجهود أمنية جادة في ملاحقة فلول الإرهابيين على حدودنا من مختلف الجهات، فلِمَ نطمئن على المناطق التي طالما استهدفت؟
نحن أمام عدو لا يمتلك أي منطق للبطولة أو قيم الشجاعة والنبل والفروسية، عدو متوحش، لا يمتلك في سريرة نفسه المريضة أي اعتبار لأي ملمح إنساني، وإلا ما ذنب أولئك الباعة الفقراء؟ وما علاقتهم بالسياسة؟ لذلك نهيب بأجهزتنا الأمنية أن تركز عملها بإخلاص لحماية المواطنين بعيداً عن المصالح والصراعات السياسية، التي يعتقد البعض بأن عودة التفجيرات جزء من آلياتها في الضغط على الآخر، والضحية هو الفقير.