المقايضة في الدعاية الانتخابية

آراء 2021/01/27
...

 اياد مهدي عباس  
 
 
لم تعد الانتخابات في العراق تستقطب اهتمام العراقيين كثيرا، لانها حسب تصورهم لم تأتِ بجديد على المستوى السياسي والاقتصادي والخدمي، واصبح جل اهتمام العراقيين منصبا باتجاه حصولهم على بعض الخدمات، التي اعتاد المواطن ان يراها مع كل انتخابات جديدة من قبل مرشحي الاحزاب والكتل السياسية، وهي عملية مقايضة صريحة في سوق الانتخابات بين المرشح والناخب، وتكون بعيدة كل البعد عن العملية الديمقراطية وقناعات الناخب بهذا المرشح، وهل يستحق ان يكون برلمانيا ويمثل شريحة كبيرة من ابناء الشعب ام لا 
يستحق؟ .
ان حرمان المواطن من الخدمات طيلة السنوات التي تسبق الانتخابات واحتياج المواطن الشديد لها، تجعله يغض الطرف عن مساوئ المرشحين واهدافهم الشخصية، فالمرشح الجيد بنظر المحرومين هو من يجلب لهم شيئا منها، حتى ولو كان بوعي الناخب لا تعدو عن كونها دعاية انتخابية رخيصة للوصول الى قبة البرلمان والتربع على عرش المكاسب الشخصية والحزبية، وغالبا ما تكون هذه الخدمات عبارة عن اعمال بسيطة تتمثل في تعبيد بعض الطرقات، او ردم بعض الحفريات وايصال المياه لمسافات قريبة لبعض المناطق المحرومة من المياه، والتي هي في الاساس من واجبات الدولة تجاه مواطنيها وليس من واجبات المرشح ان يقوم بها، من اجل تحقيق مصالح شخصية او 
حزبية .
 وكلما اقترب موعد الانتخابات حمي الوطيس واشتد التنافس والصراع بين المرشحين للحصول على اصوات الناخبين بأي وسيلة كانت، واصبح هنالك اعتقاد عند الكثير من المرشحين ان طموح المواطن العراقي ورغباته لا تتعدى حصوله على هذه الخدمات البسيطة، وبامكان اي مرشح للانتخابات ان يستغفل المواطن وان يحصل على رضاه وكسب صوته من خلال توفير الشيء اليسير 
منها. 
وان هذا التصور من قبل المرشحين على الرغم من انه عكس قناعات الناخب ويرفضه جملة وتفصيلاً، الا انه لا يخلو من الواقعية، فالمواطن العراقي اصبح بالفعل لم يعد يطمح او يفكر بالحصول على خدمات راقية، كالتي يتمتع بها المواطن في دول الجوار، فضلا عن المواطن الاوروبي والاميركي وذلك بسب الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة العراقية، وفي ظل وجود مافيات السرقة وغسيل الاموال لم تترك للمواطن شيئا يطمح الوصول اليه، ما شكل احباطا له، الا انه لا سبيل امامه الا الحصول على ما تبقى من ثرواته المنهوبة حتى ولو كانت على شكل خدمات 
بسيطة .
 ان دخول المرشح الى البرلمان من بوابة توفير الخدمات اثناء الدعاية الانتخابية، دليل على انه لا يمتلك عقلية البرلماني الناجح وعاجز عن وضع برنامج اصلاحي مقنع لناخبيه يلبي طموحهم، ومن ثمّ انه غير مؤهل لتمثيل شريحة واسعة من شرائح المجتمع والمساهمة الفعالة في بناء مستقبل افضل للاجيال المقبلة، بل ان المرشح للبرلمان ضمن هذه الرؤية الميكافيلية، يسهم بشكل كبير في تدني وعرقلة عمل البرلمان عن القيام بواجباته كمؤسسة رقابية تقوم بدور رقابي وتقويمي لعمل الحكومة، وغالبا ما يكون هذا المرشح بعد الفوز مختلفا كليا عما كان عليه اثناء الدعاية الانتخابية، وهذا ما اثبتته الانتخابات
 الماضية.