أفكارٌ تتصفّحها عيونُ المثقفين

ثقافة 2021/01/27
...

صلاح حسن السيلاوي 
 
 ما الذي يؤشره المثقف من رؤى عن الانتخابات المقبلة؟، وماذا يرفرف في سماء أحلامه بشأن إقامتها، وماذا يريد منها من جديد لحياتنا الاجتماعية؟، وهل حققت الديمقراطية العراقية أثراً مهماً في مشهدنا الثقافي والإبداعي؟. 
 أمل بنشوء قوى جديدة 
الشاعر عمر السراي يرى العراقيين يتطلعون لانتخابات مقبلة، يقودهم الأمل بأن تكون انتخابات مختلفة، تحقق جزءا من مطالبهم التي نادوا بها دائما.
ولفت السراي إلى أن الواضح من فرشة الاحزاب والكتل المسجلة او المعلن عنها الى الان، أن لا تغيير كبيرا الى الان، فالقوى التي كرست وجودها منذ التغيير مازالت تمتلك قدرة على الصمود والبقاء، بل وربما التمدد لبعض اطرافها، واضاف مستدركاً: لكن التعويل يظل دائما على نشوء قوى جديدة او صعود نجم بعض القوى التي اثبتت كفاءتها..
الآفة الكبرى للتجربة الديمقراطية في العراق اليوم، تكمن في رغبة دفينة للاقتصاص من قبل اطراف سياسية على حساب اطراف سياسية اخرى، وتحت هذا التوجه لا يمكن للوطن ان ينهض أبدا، فالديمقراطية تحتاج بناءً للمؤسسات أولا، لتستمر بعملها بغض النظر عن الشخصيات التي تقودها، وهذا ما لم يتحقق.
والملاحظ في اداء الحكومة الانتقالية انها عاجزة الى الان عن ابتكار الحلول، وتسعى لخلق وهم السلطة، لتعويض نقص السلطة الذي يعتريها.
أما في جانب الثقافة وإدارتها، فأظن ان هذا الملف هو الملف الاكثر اهمالا من قبل القوى السياسية، فالادراك مازال ضعيفا بشأن دورها المهم، والى الان نرى ان لا قوانين ثقافية جذرية تصدت لها الحكومة او البرلمان لخدمة الشرائح المهمة، ومازال الفصل القسري بين الثقافة الحكومية والثقافة التي تمثل الجماهير، ومسك القاعدة واستلهام طروحات المثقفين الحقيقيين.
إن الأزمة الوطنية بحاجة الى عقول تستطيع مناقشة ما جرى ويجري، بينما الأداء يتجه بعيدا عن هذه العقول، نحو افتعال حلول لا تغني ولا تفيد..
يظل الأمل معقودا على الشعب، بانتخاب الشخصيات الكفوءة، والابتعاد عن ضوضاء الاعلام في تسويق من يراه مناسبا، فالمرحلة المقبلة مرحلة مهمة في تاريخ الوطن. 
 
نظريَّة الأواني المستطرقة 
لم يكن الشاعر الدكتور علي الحداد في إجابته متفائلا بتقديم شيء مختلف في هذه الانتخابات، مشيرا إلى احتمالية عدم إقامتها في وقتها أو تأجيلها لمدة طويلة لأسباب تريدها أكثر من جهة نافذة في شؤون البلد، داخلية وخارجية، على حد تعبيره. 
وأضاف الحداد قائلا: وإن أقيمت بعد ذلك الحين الطويل فلا تعويل كبيراً عليها، لأن ذات القوى التي ستؤجلها ستصنع منها في خاتمة المطاف مشهداً أخيراً يبقيها في الواجهة بطريقة أو أخرى.
بنية المجتمع العراقي التي نخرت تماماً من خلال تعطيل الحياة والبناء وغلق باب العمل أمام أجيال من الشباب الواعد، واللعب على وتر الطائفية والعشائرية والمناطقية والتدين المشوّه، والتلاعب بالبنية القيمية للمجتمع، واختلاق الأزمات وافتعالها. هذه كلها عوامل أنتجت وضعاً لايمكن (لديمقراطية) بلاساقين ولاقاعدة وعي متيقن أن تنشأ فيها.
متى ما أسس لبنية اقتصادية حقيقية وفرص عمل تشبع الاحتياجات الإنسانية لأجيال نشأت في هذه العقود والالتفات إلى البنية التحتية للبلاد التي تزداد خراباً كل يوم، والتخلص من تلك الطبقات الطفيلية التي تناسلت كما الشوك البري.. حينذاك  ـ وهو أمر بعيد المنال ـ يمكننا أن نتحدث عن بدء خطوات ممكنة للديمقراطية المنشودة.
وقال ايضا: أما عن مشهدنا الثقافي ودورها فيه فأنا أستعيد (نظرية الأواني المستطرقة) مع كل واقعة خراب أشاهدها أو أسمع بها وفي مناحي حياتنا كلها ـ لقد عمموا سوءهم وفسادهم وخرابهم على أواني وجودنا كلها. وما ينضح مختلفاً فإنما هو بقية طيبة ونبل يسكنان ضمائر شريفة ماتزال تنافح عن تأسيسها القيمي وهويتها الوطنية، وما يزال قلبها يتأجج حرقة على العراق الذي لايستأهل ماحل به، وعلى شعبه الطيب ذي النخوة والأصالة وعزة النفس، وهن قيم اشتغلوا على تدميرها، ونجحوا في ذلك. لا أكتمك أنا غير متفائل على الأمد القريب والمتوسط ـ بتغيير حقيقي في حياتنا تصنعه هذه (الديمقراطية) ومن يحركها.    
 
بناء الدولة المدنيَّة
القاص أحمد محمد الموسوي يقول: بعد سبعة عشر عاماً من الفشل والتراجع والموت أصبح لزاماً على العراقيين أن ينقلبوا على واقع الخراب وحقيقة ضياع مشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية، واستعادة الوطن، وهذا هو لب ما نادت به انتفاضة تشرين، فالواقع اليوم يخبرنا بوضوح عن ضياع كل شيء في ظل هيمنة نظام المحاصصة الطائفية والحزبية التي أتاحت بيئة مثالية لنمو واستشراء الفساد وتمدده في كل مفاصل الدولة والمجتمع، لذلك لم يعد بالإمكان الاستمرار في مسايرة هذا النظام، خصوصاً مع تزايد معدلات المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحالة الاستعصاء في كل شيء، ابتداءً من تشكيل الحكومات إلى إقرار القوانين المهمة والمفصلية كقانون المحكمة الاتحادية وقانون النفط والغاز وقوانين أخرى يتوقف عليها مصير الدولة ومستقبلها، وغير بعيد عن ذلك قضية ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل الحرجة التي باتت تهدد جوهر الوجود الاجتماعي للشعب
 العراقي.
وقال الموسوي أيضا: إن طبيعة النظام بشكله ومحتواه لم يعد ملبياً لمتطلبات المرحلة ولا لطموحات الشعب العراقي بكل مكوناته، وآن الأوان للتغيير واعادة إنتاج الواقع بأشكال أخرى ومحتوى مختلف يخدم ترسيخ الديمقراطية في نظام تعددي يبنى على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية، ويكون طارداً للنهج الطائفي المحاصصاتي ومحارباً للفساد والفاسدين، نظام يعيد الهوية الوطنية ويجعلها فوق كل الهويات، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف الا عبر صناديق الاقتراع بمشاركة واسعة ومؤثرة يكون فيها البديل واضحاً ومميزاً ويخطف الفرصة من بين فكوك
احزاب السلطة...
لذلك يجب أن تكون الانتخابات المقبلة انتخابات مصير، وحدا فاصلا بين عهدين وبين نهجين مختلفين، وليس لها أن تكون استمراراً لما سبق أو تغييراً شكلياً لما هو موجود، أو كما يبشر البعض في أن تحقق (إزاحة جيلية) في داخل القوى الحاكمة ذاتها، وإنما يتوجب أن تشهد انقلاباً كاملاً في منهج بناء الدولة وادارتها، واطاحة شبه كاملة بركائز الفشل والفساد التي جثمت على صدور العراقيين طيلة أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان.
ومن جملة ما نأمله في المرحلة المقبلة أن يكون للثقافة أثر في بناء المجتمع بناء سليماً، وهذا يتطلب رؤية جديدة تتعامل مع الثقافة ونظم التعليم تعاملاً مختلفاً يجعل منهما في أولويات الخطط والبرامج التي تعدها الحكومة، وأن تخصص لها من الميزانيات ما يكفي لتنفيذ تلك الخطط، وأن تناط إدارة الشأن الثقافي في الحكومة لذوي الاختصاص بعيداً عن المؤثرات الحزبية والمصالح الضيقة.