النقد طريقة حياة

آراء 2021/01/27
...

  خالد خليل هويدي
ثمة من  يقول إن النقد والمساءلة ممارسة تؤكد إنسانية الشخص، وعدم وجوده تبعده عن أبرز ما يميّزه من غيره من المخلوقات، لا سيما إذا ما علمنا أن الحقيقة نسبية، إذ لا وجود لحقيقة مطلقة تلغي غيرها، وتحديدا في العلوم الإنسانية، ذات الطبيعة المرنة، والتي ربما تتأثر بثقافة وبيئة وخلفية الفرد الاجتماعية،
وتكون أحكامها ذات صبغة ذاتية، بخلاف العلوم الصُلْبة، التي تكون أكثر دقة ونتائجها مبنية على أسس علمية رصينة، وهامش الخطأ فيها ضئيل، كما هي الحال مع الرياضيات والفيزياء وغيرهما من
 العلوم. 
أقول إنّ عظمة النظريات والأفكار تكمن في أخطائها أيضًا، فالخطأ أو بالأحرى وجهة النظر سيقود إلى بناء فكرة أو نظرية جديدة، وقد قيل سابقًا إنّ تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء. 
تخيّلوا لو أن طه حسين لم يقل بنظرية الشك في الشعر الجاهلي، وساير غيره من الباحثين، وكان نسخة منهم هل سيكون لنا هذا الكم الكبير من الدراسات والرسائل التي حاولت الرجوع الى الشعر الجاهلي؛ بغية توثيقه والرد على طه حسين؟
تخيّلوا عدد الكتب التي جاءت ردًا على نظرية النشوء والارتقاء لدارون، وكمّ الدراسات التي جاءت بعد رأس المال، وغير هذه النماذج الكثير. 
يجب أن يكون كل ما يُقال ويُكتب ويُنشر ويذاع من أفكار محل نقد ونظر ومراجعة ودحض وتقويم، فالنظرية في فلسفة العلم لا تسمّى نظرية، إلا إذا كانت قابلة للدحض والمجاوزة، وإذا لم تكن كذلك فهي حينئذ تنتمي إلى ما يسمّى بالعلم الزائف، وهو مصطلح تمّ توظيفه على نحو مزدرٍ لوصف تفسيرات الظواهر التي زُعِم علميتها، لكنها لم تُدعّم في الحقيقة بأي دليل تجريبي
 موثوق.
ومن أبرز صفات العلم الزائف انطواؤه وعدم تقبله للنقد والمراجعة وتقييم الخبراء الآخرين، فضلا عن غياب الممارسات المنهجية في تطوير نظرياته المزعومة، والتمسك بها حتى بعد مرور زمن طويل على افتقادها لمصداقيتها بالتجربة والدليل، فهو مصطلح يشير إلى توجّه يسعى إلى تقديم فكرة ما على اعتبار أنها «علم» بشكل خاطئ أو حتى مضلل. ولكي نبتعد عن مهيمنات العلم الزائف يجب أن نفتح أبواب النقد وشبابيكه؛ لنستنشق هواء مختلفا، هواء يعيد لرئتنا قدرتها على الشهيق والزفير. بمعنى نستنشق ما ينفعنا ونخرج منها ما يمكن أن
 يؤذينا.