المجتمع وأزمته المضمرة

آراء 2021/01/27
...

 سلام مكي
 
 
الأزمة التي يعاني منها البلد، لا تقف عن حد معين، ولا تستثني فئة أو شريحة أو نسقا اجتماعيا أو سياسيا ما، بل هي أزمة ومحنة ومشكلة بنيوية، تمتد لجميع قطاعات الحياة العامة والخاصة، بل وحتى الأفراد يعانون من أزمات داخلية قد لا تبدو ظاهرة لهم، بل هي كامنة في دواخلهم، لم يكتشفوها بعد، ربما لأن هنالك أزمات أكثر فداحة، وقسوة، تطفو على سطح وعيهم، لتعيق ظهور المحن الأخرى. كذلك المحنة التي يعاني منها المجتمع، أدت المحن التي ضربت قطاع السياسة والاقتصاد، والثقافة، إلى تغييبها. 
تغيب المحنة والأزمة والمشكلة التي يعاني منها المجتمع العراقي، والتي لا تقل خطورة وفداحة وضررا عن باقي المحن الأخرى. ولعل بروز أزمة الإرهاب وما سببه من جرح غائر في بنية الدولة العراقية، وما خلّفه من آثار سياسية واجتماعية ونفسية، جعل من باقي الأزمات، تزل إلى قاع الاهتمام والمتابعة، رغم عدم إيجاد حلول حقيقية لحد الآن، رغم تلك المتابعة. كذلك بروز مشكلة الفساد الاداري والمالي، ونهب ثروات البلد على أيدي الفاسدين، والتسبب بتأخر البناء والاعمار، هاتان المحنتان وغيرهما من المحن، كانتا بمثابة الفاعل الرئيس، لجعل محنة المجتمع المضمرة، ألا تظهر للسطح الخارجي ولا يتحدث عنها أحد.
اليوم، ظهرت تلك المحنة أو الأزمة بشكل لافت، رغما عن الجميع، أزمة أخلاقية وقيمية، وإنسانية، لا تقل خطورة وبشاعة عن باقي الأزمات والمحن، فالأم تقتل طفلتها والأخرى ترمي بطفليها في نهر دجلة، وأخرى تذبح ابنتها من الوريد إلى الوريد، وآخر يقتل طفله بالسكين، لأنه أخذ كميات اضافية من المخدرات، وآخر يعتدي على محارمه، وأخرى وأخرى... ظواهر خطيرة غير مألوفة ولا اعتاد المرء على سماعها، ولا يمكن لأي عقل أن يصدقها، إن أما تقتل رضيعها! ولا سبب معلوم! ولا يمكن لأي سبب في الكون أن يبرر تلك الأفعال، ولعل المخفي عن أعين الاعلام أشد وأقوى مما تم الكشف عنه، فهل سنجد من يسعى لحل محنة المجتمع هذه؟ هل سنسمع أن مؤسسة حكومية أو منظمة مجتمع مدني أو جهة دينية، ستسعى لإيجاد حل لبروز هذه الظاهرة الخطيرة؟ هل ثمة من يسعى لتشخيص أسباب إقدام الأمهات عن قتل أطفالهن؟ نخشى أن تستمر هذه الظاهرة الخطيرة وغير المألوفة في مجتمعنا، لتتحول في يوم إلى حدث عادي!.