د. محمد فلحي
توفي قبل أيام (لاري كينغ) المذيع الأميركي الأشهر، الذي أصبح أيقونة من خلال مقابلاته مع عدد لا يحصى من صانعي الأخبار حول العالم. وقدم كينغ برنامج «Larry King Live” على شبكة CNN لأكثر من 25 عامًا، حيث أجرى نحو ستة آلاف مقابلة مع المرشحين الرئاسيين والمشاهير والرياضيين ونجوم السينما والأشخاص العاديين.
في تقرير نعيه من قبل شبكة CNN وُصِفَ كينغ بسلوكه اللطيف والمريح الذي يميزه عن المحاورين التلفزيونيين الأكثر حدة، وقد اتقن أسلوباً غير رسمي في تنسيق الأسئلة والأجوبة، وهو يستمع باهتمام إلى ضيوفه، ونادراً ما يقاطع، وكان يقول:”لم أتعلم شيئًا قط، بينما كنت أتحدث” وذلك في إشارة إلى أهمية الانتباه والإنصات خلال الحوار مع ضيوفه على الشاشة!
طور كينغ موهبته وتدرب في مهنته واحترم جمهوره طوال مسيرته الناجحة، ويؤكد المعجبون ببرامجه أن اسمه لم يتلوث بالانحياز أو التلاعب أو الخداع، فقد كان متخصصاً في كشف الحقيقة أمام الناس فقط، وذلك ما جعل بعض متابعيه ينعتونه بـ(الأسطورة الإعلامية)!
غالباً ما يتهم الإعلام بصناعة الأساطير وتسويقها في فضاء تنافسي تحيطه السياسة من كل جانب ويلوثه المال الحرام، ومن أبرز تلك الأساطير (الحيادية) و(الموضوعية) و( حرية التعبير) و( الرأي الآخر) التي يتغنى فيها الكثير من الإعلاميين لكنهم يمارسون سلوكاً معاكساً تماماً!
البرامج التلفزيونية الحوارية تمثل بؤرة المشهد الإعلامي في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، وهي تسهم في صناعة الرأي العام وتوجيهه وتعمل على تحليل الأحداث وتوقع نتائجها.
في التجربة العراقية نستطيع أن نتحدث عن سيل منهمر من الحوارات التلفزيونية الصاخبة التي تتوزع فيها الأدوار بين المقدمين وضيوفهم، وسط ذهول الجمهور من قدرة الطرفين على التلاعب بالحقيقة!
هناك محاذير ينبغي مراعاتها عند اجراء حديث أو حوار تلفزيوني من حيث هوية الضيف وهدف المقابلة، فالمسئول السياسي، ينبغي أن تحكم الحوار معه المواجهة والتحدي والتشكيك والاستعانة بالمعلومات المخالفة والبيانات المغايرة، لاكتشاف الثغرات في الموقف الذي يتبناه، أما المحلل السياسي المنحاز فيجب الحذر لدى محاورته، ولا بدّ من الإشارة إلى انتمائه أو قربه السياسي من طرف ما، الحوار مع الخبراء والمتخصصين المستقلين يحتم الاستماع إليهم وطلب المزيد من المعلومات والشروح، بيد أن الشرط الأساسي في مثل هذه المقابلات هو إظهار الندية والكفاءة من قبل المذيع من دون استعراض أو استعلاء أو إدعاء، ويفترض دائما أن يظل الهدف النهائي للمقابلة كشف الحقائق!