د. فاضل البدراني
من المؤشرات التي تلفت الانتباه بالآونة الأخيرة، عملية التطور الملموس في مستوى التقارب بين العراق والمحيط العربي، ومحاولة إنعاش الاقتصاد العراقي والخروج من القطيعة المفروضة عليه منذ فرض الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق عام 1990، وتندرج زيارة رئيس الحكومة الأردنية بشر الخصاونة على رأس وفد أردني كبير لبغداد، مؤخرا، واحدة من حقائق التقارب العراقي– العربي في مجالات عدة. ومع أي زيارة من هذا المستوى تشهدها العاصمة بغداد يتبادر الى الأذهان المغزى منها وأهدافها، حتى أنها تحسب من ناحية دلالات التوقيت الزماني، ومن الطرف المستفيد منها؟ وغالبا ما يتخوف العراقيون شعبيا وسياسيا من أي خطوة متقدمة لعلاقات بلادهم مع أي دولة إن كانت عربية شقيقة أو إقليمية أو أجنبية صديقة، بعد أن فقدوا الثقة جراء ما يحصل لهم من اختلالات في شتى مجالات حياتهم، وأصبحوا مشككين ومدققين في أي جزئية تتعلق بالاتفاقيات أو المعاهدات أو مذكرات التفاهم مع أي طرف خارجي، لكن بطبيعة الحال، الدول من دون التحرك وتنشيط علاقاتها الخارجية، فإنها تفرض طوق حصار على نفسها وتنحصر نشاطاتها.
وتعد زيارة رئيس الحكومة الأردنية بشر الخصاونة لبغداد، وهي الأولى من نوعها منذ توليه موقعه الجديد في 7 كانون الأول 2020 خطوة ايجابية لتوثيق العلاقة بين بغداد وعمان سياسيا وادامة التعاون الاقتصادي والتجاري والنفطي، لاسيما أن الأردن تعتمد على العراق في دعم اقتصاده باستيراد النفط بأسعار تشجيعية مخفضة ضمن الامتيازات الاستثنائية الممنوحة لها، لكنها بذات الوقت تعد منفذا دوليا مهما للعراق في تنشيط تعاملاته التجارية مع السوق العالمية، بل ومناخ سياسي خادم لسياسة العراق الخارجية، ورأينا أن الزيارة الأخيرة ناقشت تجديد مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين لاستيراد النفط الخام من العراق لعام آخر، بعد التوافق على التعديلات المطلوبة، والاتفاق على المضي قدماً بتنفيذ خط النقل الهوائي الكهربائي، كونه من المشروعات التي تخدم الأردن ماليا ولكنها توفر خدمة الطاقة
للعراق.
ولتأكيد هذا الطرح في الإحاطة بالعلاقات العراقية الأردنية، اقتصاديا، تجاريا، صحيا، زراعيا وحتى في قطاع النقل، يمكن الرجوع الى طبيعة الوفد الذي رافق الخصاونة، حيث ضم وزراء الخارجية لدعم العلاقة الثنائية بين البلدين، وكذلك الزراعة والصناعة والتجارة والتموين، والطاقة والثروة المعدنية والصحة والنقل، والاقتصاد الرقمي والريادة، إذ تعكس الزيارة بانها خطوة تهدف الى تطوير التعاون بين العراق والأردن ومصر بموجب الاتفاق الثلاثي، الذي أعلن عنه في آب 2020. وتركز الأردن على مزيد من التفاهم مع بغداد لزيادة حجم التبادلات التجارية الثنائية ومعالجة العوائق، التي تواجه انسيابية التجارة البينية، وتعزيز التعاون والتكامل الصناعي في القطاعات الصناعية الدوائية، واعادة تأهيل المصانع، ودراسة إجراءات تطوير التبادل التجاري على منفذ طريبيل، فضلا عن تطوير مجال النقل الجوي.
وعلى شاكلة زيارة الخصاونة هناك حراك دبلوماسي اقتصادي عربي خليجي يتفاعل من طرف السعودية والامارات والبحرين وقطر والكويت مع العراق، لتنسيق التعاون في الجانب الاقتصادي بشقيه التبادل التجاري والاستثماري في العراق، ذلك قد يثمر عن تطور تأهيلي بالواقع العراقي يقود باتجاه فك الخناق وانهاء القطيعة، التي تشكل وريث مرحلتي فرض الحصار في آب 1990 وكذلك حقبة ما بعد الغزو والاحتلال الأميركي للعراق مطلع
2003.