لكي لا نبقى عراة وسط العواصف الثلجيّة السيبرانيّة

آراء 2021/01/30
...

   د. قيس العزاوي
 بعد أن تسلحت غالبية الدول بالمعرفة الالكترونية وأسست قوات امنية سيبرانية تحميها من حملات الهجوم الالكتروني وتزودها بكل انواع المعلومات عن الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وتعطيها قدرة رد العدوان، لم تدرك معظم دولنا العربية خطورة الانكشاف المعلوماتي امام القوى الاقليمية والدولية، ومن ثمّ فهي عارية في وسط العواصف الثلجية السيبرانية.
أصبحت المعارك السيبرانية: المعلوماتية والاقتصادية وحتى العسكرية تدور بين الدول المتصارعة والشركات المتنافسة و العصابات الإجرامية التي تستخدم الفضاء الالكتروني لسرقة المعلومات وتمرير تجارة البشر والسلاح، تدور بضراوة على الشبكة العنكبوتية، باتت صراعات الفضاء السيبراني على المسرح الدولي هي المادة الأكثر قراءة في إعلام اليوم، لكونها تنقل لنا اخبار المعارك الطاحنة بين المتنافسين كما تنقل اخبار فضائح المخابرات الدولية. 
 ومن الواضح أن الأميركي إدوارد سنودن الذي ابتدع ظاهرة ويكليكس، استطاع لوحده اختراق اجهزة الأمن المعلوماتية لأقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية مهددا أمنها، ليس المعلوماتي فحسب وانما السياسي والعسكري، كاشفا بالوثائق للعالم كله عن مخططاتها السرية وعلاقاتها التآمرية على الحلفاء والأعداء، ناشراً الفضائح تلو الاخرى من اسرار بلده .
عندما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي بدأت القوى الكبرى على الفور تطوير تقنياتها المعلوماتية، وكونت وحدات أمنها الالكترونية، وابتدعت اسلحتها الجديدة لحروب ليست باردة وانما وصفت حينها بحروب القوى الناعمة!، وهكذا انتقلت الصراعات المسلحة بين القوى الكبرى في العالم من ميادين القتال الحقيقية الى ميدان القتال الافتراضية على شاشات الحاسبات، قتال تجرى رحاه على شبكات الإنترنت والفضاء الرقمي. 
 وعلى مقربة منا تطور الدول الاقليمية المجاورة لنا تقنياتها الالكترونية بشكل متسارع فتقارع بقوات أمنها السيبراني القوى الإقليمية والكبرى. فها هي ايران تحارب الكترونياً على عدة جبهات: الخليجية حيث هي من دبر فيروس «شمعون» الذي شل عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر في الشركة السعودية أرامكو، وهي ايضا من هاجم 6 منشآت مياه حكومية اسرائيلية في نيسان الماضي، رداً على هجوم اسرائيل على الموانئ والمواقع النووية الايرانية، وايران ايضاً- كما كشف محللون في شركات الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة الأميركية- هي التي كانت مسؤولة عن محاولات قرصنة لأهداف حكومية أميركية وأهداف في القطاع الخاص على اثر اسقاط ايران طائرة أميركية بلا طيار (منتصف العام 2019 ). 
 وها هي تركيا المستفيدة من عضويتها في حلف شمال الاطلسي، تقتني المعرفة الالكترونية الغربية وتقوم بتطويرها واستخدامها للدفاع والهجوم في مجال الصراعات السيبرانية، ففي الايام الاخيرة من العام الماضي قامت تركيا من خلال قراصنة تابعين لها بشن هجوم على ما لا يقل عن 30 مؤسسة اوروبية، من بينها وزارات وسفارات ومؤسسات ذات طابع أمني، وخدمات البريد الإلكتروني للحكومة القبرصية واليونانية. وقد سبق لتركيا إن قامت العام 2017 بهجمات مماثلة من خلال اختراقها العديد من حسابات تويتر المعتمدة لمؤسسات ووسائل إعلام وشخصيات عامة أوروبية، على اثر خلافات دبلوماسية بين تركيا وأوروبا.
 اما إسرائيل التي تعد الاولى في المعرفة الالكترونية اقليميا ومن الاوائل عالمياً، فلم تكتف بقيامها بشن هجمات الكترونية على القوى الفلسطينية، بل قامت العام 2019 بشن هجوم عسكري على أحد المباني، التي ادّعت أنه يُستخدم من قبل مجموعة فلسطينية تقوم بقرصنة المعلومات، اضافة الى ذلك تتجسس اسرائيل على الدول العربية من خلال برنامجها «بيغاسوس» ومن خلال اختراق الامن السيبراني الاسرائيلي لأسرار الدول والمنظمات العربية.
 المعرفة الالكترونية ليست ترفا وانما هي ضرورة حيوية للأمم والدول، فالعالم بأسره يدار اليوم بالطرق الرقمية والمعلوماتية، وفي الكواليس تخوض المؤسسات والتنظيمات والدول معاركها الحاسمة: أ لم يعز فشل هيلاري كلنتون وفوز ترامب في انتخابات الرئاسة الاميركية عام 2016 الى تدخل مباشر من المخابرات السيبرانية الروسية؟ ألا تجري أعنف المعارك اليوم بين الصين وأميركا وروسيا الكترونياً. فلنتعلم ونطور معارفنا الالكترونية لكي لا نبقى عراة وسط العواصف الثلجية السيبرانية!.