حميد المختار
قبل ما يقرُب من أربعين سنة التقيت به حياني مرحّبا بي كوني من القصاصين الشباب الذين شغلوا الوسط الثقافي ببضع قصص ومجموعة قصصية مشتركة مع زملائي القصاصين بعيدا عن المؤسسة الثقافية الحكومية، قال لي "حميد هناك مهرجان للشباب العربي يقام في السعودية وأنا حينما استشاروني اخترتك أنت لتمثل العراق في المهرجان"، لم أصدق ما سمعت من كلام أباحه لي (رزاق ابراهيم حسن)، كنت قد قرأت اسمه في مجلة (وعي العمال) كنائب لرئيس التحرير واسمه يتكرر دائما في الصحف والمجلات والاذاعة.
رزاق ابراهيم حسن تفرد بسمعة وهيأة أوصلت لنا جميعا صورته المكافحة والعصامية في الحياة والكتابة الصحفية والابداعية في الشعر والنقد، كان يمتلك موهبة وأسلوبا خاصا في كتابة النثر والشعر في آن ... اهتم بالحياة العمالية في العراق ليس في مجلة (وعي العمال) فقط انما في كتاباته الأخرى إذ أصدر كتابا عنوانه (الصحافة العمالية في العراق) وكتاب (تاريخ الطبقة العاملة في العراق) وكتاب (النقابة والانتاج) مما أهّله ليكون رائد "البروليتاريا العراقية" في الأدب، ومنهم من أطلق عليه (مكسيم غوركي العراق)، ومنذ مطلع سبعينات القرن المنصرم أصدر ديوانه الأول (أسرار قراءة الطريق) ثم بعد سنوات أصدر ديوانه الشعري الثاني (أنا أحد غيري) وله الكثير من الكتب عن المفاهيم الأدبية في بغداد وعن شارع المتنبي من خلال رؤيته هو، وكذلك كتاب (الشخصية العمالية في القصة العراقية)، مات رزاق ابراهيم حسن وترك كل هذا الإرث الثري في الكتابات النقدية والشعرية والنقابية والصحفية، لكن السؤال الذي ظل يؤرقني: هل نال حظه من اهتمام النقاد والكتاب والمتابعين له ولأعماله الكثيرة؟!.. قطعاً لا فقد كان مظلوماً جدا في كل هذا التناسي والاقصاء، ثم يُعلن عن موته وهو حيٌّ يرزق ويزور اتحاد الأدباء ليثبت لأصدقائه ومحبيه أنه حي ثم يلتقط صورة مع قطعة القماش التي تنعيه وكان باسماً وسعيداً لأنه مازال حياً يُرزق يتابع ويقرأ ويشترك في الاحتفاء بالآخرين من زملائه الأحياء والأموات، خصوصاً وقد كانت تربطه مع المفكر العراقي المغيّب الشهيد (عزيز السيد جاسم) أواصر صداقة متينة وطويلة.. أعود إلى ما بدأت به، فبعد أن فاتحني بضرورة الاشتراك في هذا المهرجان، شكرته ممتنا لكرم اختياره لي أمام المسؤولين وقبل السفر بيوم أو يومين اجتمعوا بنا وقالوا ستُقرأ أسماء والذي يسمع اسمه يخرج من القائمة فكان اسمي الأول الذي أذيع، خرجت من القائمة وحُرمت من الاشتراك في المهرجان لأن اسمي عليه مؤشرات أمنية وحزبية، وفي اعتقادي أنّ الراحل رزاق ابراهيم حسن كان يعرف ذلك جيدا ومع كل هذا أعطاهم اسمي لأنه في أعماقه يحب الشباب الذين يعيشون ويمارسون حياتهم الابداعية بعيدا عن المؤسسة الحكومية ومن يعمل فيها.. كان كاتبا حرا وعماليا كادحا، عاش حياته الكفاحية بكل شرف وحرية، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا في نعيم جنات الخلد.