حبيب السامر
مع التحولات التقنية السريعة وظهور الأجهزة المتطورة في عالَمنا الصغير، الواسع، والتي بدورها تسعى الى تهيئة أساليب حديثة لإنتاج الفكر والمعرفة بتعدد هذه الوسائط المتلاحقة، من هنا يبدأ استخدامها في وجهين مختلفين، هناك من يسخرها للجمال حين يتحدث عن المعرفيات وآخر الكتب والفنون بجمالياتها المعروفة، ويتخذ من انسانية الحياة وشروقها المتجدد مكاناً ملوناً، مبهجاً يستحق أن تتابع أخباره وتنتظر ما يبث من عطر في مجال اللوح الأزرق.. وعلى رأي كافكا "أي فرد يحتفظ بالقابلية على رؤية الجمال لن يشيخ أبداً".من هنا لا بد من استعادة الشخصية الإيجابية التي تتعامل بروح المحبة بعيداً عن التناقضات المبنية على نوازع خاصة، كي تفتح الآفاق أمام المثقف ليكون أكثر التصاقا بواقع الحياة، متجاوزا بذلك أي تشويه لملامح الثقافة وبنية تفاعل الوعي الابداعي ونمو طبقاته، متخذا من نبذ ازدواجية التعامل مع وجوه متقلبة، وتكرار النمطية التي تشوه وجه الثقافة الحقة.هناك من يستخدم هذه الوسائل الجميلة ويضيف عليها ألوان قبليته وجهله وعدائيته ليحولها الى سبورة لا تصلح أن تقرأ فيها ما يبهجك، لكثرة استخدامها وانعكاس الروح المشتتة، هي كمن يطلق الرصاص على نهر ليوقف تدفقه، حتما سيظل النهر عذبا مهما تعددت رصاصات الجهل..بتنا لا نستغرب أي شيء وسط عوالم متداخلة، لكن من الأجدى أن ينتبه المثقف الى مشروعه وقراءاته ونتاجه الفكري وأن يتحلى ببعض شجاعة ويناقش أفكاره في حيز المؤسسة أو الأسرة الواحدة التي يحاول أن ينال منها وجها لوجه، نعم علينا أن نعشق النهار ونتحاور حد الإقناع، لأن حياة الأديب والمثقف مبنية على الكتابة والكلام المنطقي والتشاور والنصح.. مرة كتب أحد النقاد في محافظة عراقية عن أديب، وكانت في دراسته مؤاخذات وتأشيرات باللون الأحمر على كتابه – الأديب - الجديد، مما دفعه الى الدخول في منطقة اللاثقافة مما دفع الأديب الى استخدام الألفاظ التي استغربَ منها كل من كان جالسا في مكان المناقشة الحادة.. هناك أمثلة لا حصر لها.. ما أن تختلف مع الآخر في الرأي، يعني أنك قد خرقت القواعد والسلوك وأصبحت عدوا، وقد رمينا خلف ظهورنا المثل القائل (الاختلاف لا يفسد للود قضية) بل يفسد ألف قضية وقضية للأسف.ربما يدخل ما تحدثنا به في حيز الحسد الثقافي، أو الشهرة الإبداعية والاجتماعية، وتلمح مع القول السائد (السهام لا تنال الأقزام)، إذ حين تكون متصدياً تنتشر سهام الجهل وتحاول أن تصيب مكمن الجمال، لكنها ترد الى مكان انطلاقها.هنا تقع علينا مسؤولية كبيرة في الاحتواء والتصدي لمثل هذه الأمراض الشائعة التي بدأت تنخر جسد الثقافة الحقة، وتحاول أن تشوه جمالها، ندرك تماما أنهم قلة جدا، وبإمكاننا أن نأخذ بأيديهم الى بساتين الحياة بدلا عن صحرائها، بالحوار الهادئ المنصف نستطيع أن نرسم خطوط المحبة ونجعلها مثابة الحياة.