تنبّهني دائما رواية العطر “لباتريك زوسكيند” لهَوَس المرأة الغريب وغير المسوّغ لاستعمال عطور رجالية على الرغم من أن محور الرواية يدور حول رجل بلا رائحة لديّه حاسة شمّ تدفعه للاستحواذ على راحة أجساد النساء.
وربّما يكون هذا الهوس - بالنسبة لي- هو المفتاح الذي ألجُ منه إلى ظاهرة أخرى أكثر وضوحاً هي تقنّع الكتابة النسوية (صورة وصوتاً) لصوت وصورة الرجل (وكأنّ الفضاء اللفظي المتاح للكاتبات مثل لغة آكلة تلتهمُ الذات الأنثوية الطريّة بنهم غريب) ليس لأنّهن غير طموحات أو غير موهوبات (فهن غزيرات منتجات لكثير من الكتب) وليس بسبب معايير مزدوجة تميز الرجال عن النساء (وهن يكتبن بأسماء غير مستعارة) ولكن لأنّهن ربما لا يأخذن احتراف الكتابة الأدبية على محمل الجد (والجد هنا مفردة تحتاج تأملا كبيرا لأنه مرتبط بجدوى الكتابة من وجهة نظر نسوية في تغيير العالم لا تفسيره). فهن يقلدن الطريقة التي يكتب بها الرجال ولا يكافحن كثيراً لخلق فن أصيل ومستقل منبثق من ذواتهن الفاعلة
الخالقة.
وطبعا أنا هنا لا أعمّم، فهناك استثناءات حفرت لصوتها مجرى في الصخر. أنا فقط أفكّر الآن بعالم الازدواج الخنثوي في الفكر والمعرفة واللغة ذلك العالم الذي يحتاج إلى فضّ اشتباك وفرز وهي مهمة عسيرة. لأنه ببساطة يبيد الذات السردية الأنثوية ويطمس ملامح الجماليات التي
تنتجها.
أفكّر الآن بالجملة النفسية التي تنطلق من فم أنثى ثم سرعان ما تختلط مع جمل ودخان سكائر الرجال. أفكّر بالمدى الأخاذ الذي كان من الممكن أن يكون حينما تنطلق المرأة بصوتها هي وبصورها وغموضها وخدوشها من دون تغليف وجهها بطبقات من الخشونة.
تردّد الكاتبات عادة (إنّهن لا ينتظرن اعترافاً بكتاباتهن من الآخرين) لأنه لن يُنصفهن أحد. ومن هذه القناعة التي تقترب من اليأس والقنوط تبدأ الدورة التي تنتهي عند النقطة نفسها أتمنّى هنا وأنا أفكرُ بصوت عال: أن تكون هناك قناعة أخرى، قناعة تقول: بأننا قد تجاوزنا الدور الأنثوي المقيد، وأن الكتابة في حدّ ذاتها هي وجود حر ومطلق، لذا فإن الفكر المخنث أو تلبس (حالة) ليست من الطبيعة الأصلية للتعبير عمّا نريد، هو إسقاط طوباوي يجب أن يزاح عنه ستار التخيل والتوهم ليسفر عن وجه حقيقي لامرأة لها عطرها
الخاص.
إن هذا الوهم هو خيانة للذات الأنثوية المختلفة المتفردة. وأن القناعة التي تشعر بها الكاتبة حتى عندما تتناول عبر كتاباتها مشكلات المرأة في المجتمع، ما هي إلّا اعتراف بالصورة النمطية التي ترسّخ عدم إمكانية التنافس مع الكتاب الذكور لأنه لا يمكن (للكاتبة=الأنثى) أن تنافس (كاتبا=ذكرا).
والحقيقة أن الأمر معقد وأكبر من أن يختزله مقال، فالازدواج الخنثوي بين الكاتبات يجعل من الصعب رصد الروابط بين (الكلمة) بوصفها (حالة) خاصة وما بين الذات الأنثوية المائزة بالضرورة عمّا حولها. ففي الحياة اليومية أصبحت النساء تستعمل الأشياء التي يستعملها الرجال كموضة أو وسيلة اشهارية للتعبير عن حرية الاختيار أو التحرّر.
إن الكاتبات اللواتي (يسترجلنّ) في الكتابة على الرغم من دسّ بعض التراكيب والصياغات الأنثوية، يعزّزن التمييز الجنسي عن غير قصد. لأن هذا الأمر يوفر لهن سلطة زائفة سرعان ما تذوب مع سلطات النظام
الأبوي.