سعاد حسن الجوهري
لايمكن السكوت على الخطأ مهما كان ومن اي كان، فالتغاضي عن الخطأ يسمح له بالتحول الى جريمة، ومن ثم يجب ان تقوم الدولة باصلاح الفساد واعتبار المهمة تضامنية كي لا يستفحل. وبما اننا توارثنا من اهلنا مقولة ان (الشر يعم) فان الخطأ الصادر عن البعض قد يشوه صورة البعض الآخر وهنا تكمن الكارثة.
الامر المؤلم الذي دفعني لكتابة هذه السطور هو ما لمسته من جشع لدى بعض المحسوبين على الطب - واكرر كلمة بعض - لأن الذي يحصل هو اثقال كاهل المواطنين في ظروف حرجة يمر بها للبلد، في ظل غياب الرقابة الحكومية او النقابية - نقابتا الاطباء والصيادلة في العراق وحتى وزارة الصحة - ما جعل ثمة اطباء يلهثون وراء الكسب ليحولوا المهنة الانسانية الى تجارة تتسم بالجشع والطمع. متناسين ان الطبيب عندما يتخرج بعد دراسة مضنية يقسم على الالتزام باخلاقيات المهنة ومن هذه الاخلاقيات الابتعاد عن الجشع وعدم المتاجرة بارواح الناس وجراحاتهم
وآلامهم.
فالطبيب الذي يتخرج من الكليات الطبية انما يصل الى هذه الدرجة والمكانة الرفيعة بأموال الناس التي هي في الحقيقة الاموال العامة المخصصة للكليات الطبية ومختبراتها وصالاتها ومصادرها وكل المستلزمات الاخرى من ميزانية الدولة، فضلا عن رواتب اساتذتها فهو يتخرج وفي عنقه دين، لا بد من الوفاء به، وبعكس ذلك فهو خائن لشعبه ووطنه.
وهنا تبرز الى جانب تحويل المهنة الى تجارة مربحة تبرز ايضا واحدة من أبرز المشكلات، التي تواجه الفقراء ومحدودي الدخل الذين يؤثرون في أنفسهم توفير ثمن كشفية الطبيب الوصفة (المشفّرة) التي لايمكن لأي صيدلي فك رموزها، الأمر الذي يعني أن ثمنها سيكون مرتفعاً جداً، هناك مواطن يراجع أحد الاطباء لأعراض مرض وما أن فحصه وشخّص العلاج سلّمه الوصفة التي فضّل شراءها من منطقته الشعبية، لكن اغلب الصيادلة عجزوا عن قراءة
الوصفة.
حتى ان أحدهم أخبره بمراجعة الصيدلية القريبة من الطبيب. وفعلاً استطاع الصيدلي قراءتها وعلى وجه السرعة ليسلمه مجموعة ادوية متفق عليها، لكن ثمنها قد سبّب له صدمة كبيرة، والغريب وجود ارادات تمضي بتعطيل قرار يقضي باعتماد الوصفة المطبوعة بالحاسوب بدلاً من المكتوبة باليد في اجراء يهدف الى القضاء على الوصفات المتفق عليها مسبقاً بين الأطباء
والصيادلة.
ما ذكرته من كلام صريح في هذه العجالة لا يمس الطبيب الانسان الذي بقي وفيا لقسمه وملتزما بمهنته الانسانية، فهناك الكثير من الأطباء الذين سخروا عياداتهم لمعالجة المرضى لقاء اجور تتناسب مع الحالة المعيشية التي يعيشها الكثيرون، اذا لم نقل ان البعض من هؤلاء يعاينون مرضاهم مجاناً لو شعروا بفقرهم او ضيق في حياتهم المعيشية. وما زال نفر قليل من اولئك من الأطباء الشرفاء المخلصين الذين لم تغوهم ملذات الدنيا وطمعها، هؤلاء يستحقون منا كل الاحترام والتقدير فهم يمارسون المهنة بكل شرف وامانة ومروءة ويعلمون ان الطبيب يؤدي قسم شرف المهنة قبل تسلم شهادة تخرجه خدمة للإنسانية قبل ان يفكروا بما يجنونه من
أموال.
وهذه دعوة مفتوحة للحكومة ولجنة الصحة البرلمانية ونقابتي الاطباء والصيادلة بأخذ دورهم الفاعل لانقاذ الشعب المكتوي بنار الحرمان من مخالب بعض المحسوبين على الطب، والذين حولوا هذه المهنة الانسانية النبيلة الى وسيلة للكسب والجشع
والطمع.