د. سيف الدين زمان صاحب
تعتمد ستراتيجيات الأمن الوطني بمفهومها العام على عناصر القوة الوطنية، التي تُحدد القوة الشاملة للدولة وقدرتها على الاستجابة للظروف الطارئة ومواجهة التحديات.لقد نصح الدبلوماسي والسياسي الإيطالي نيكولا ميكيافيلي - صاحب النظرية الميكافيلية- أمراء إيطاليا في كتابه الأمير “The Prince” - وهو دليل للسياسيين على استخدام المكر وعدم الرحمة للوصول إلى مبتغاهم وأهدافهم- أن يكونوا “مُخيفين” أكثر مما يكونوا “محبوبين”، وهذا الامر ينعكس على الدول ايضا. إلا أن عالم السياسة اليوم وشكل المنظومة الدولية والنظام العالمي يتوجب أن تمتلك الدول هاتين الصفتين معاً.
إن الدول التي تُحسن تعاطيها وإدارتها أو بتعبير أدق “فهمها” لعناصر قوتها- بعد تحديدها بالشكل الذي يضمن توجيهها بمسارات معُينة نحو أهداف مُعدة مُسبقاً من قبل واضعي الستراتيجيات الوطنية، لاسيما ما يتعلق منها بالأمن القومي وفق أسس رصينة لتقييم المخاطر التي تواجه الشعوب - سيتسنى لها تعزيز وجودها وقدراتها والمحافظة على قيمها المجتمعية والدفاع عن مصالحها ككيان مستقل في ظل متغيرات التوازن الدولي والاقليمي ضمن نظام عالمي ينتقل من هيمنة القطب الواحد والقوة الوحيدة لأقطاب متعددة وقوى ناشئة.
إن مفهوم القوة يعني القدرة على التأثير والنفوذ لتحقيق الأهداف، وهو مصطلح يجسد أحد أهم المحددات الرئيسة لفهم سلوك
الدول.
لقد تطور مفهوم القوة مع تطور نظريات العلاقات الدولية والتي ابرزها النظرية الواقعية Realism والنظرية الليبرالية Liberalism لتقسم الى:
1 - القوة الصلبة Hard Power والتي تعتمد بشكل أساس على الامكانات العسكرية والترسانة الحربية لإخضاع
الدول.
وقد تم إضافة العامل الاقتصادي كسلاح آخر لفرض العقوبات ومعاقبة الدول المُعارضة. يعد الباحث الأميركي جون ميرشايمر أحد رواد هذا المفهوم.
2 - مفهوم القوة الناعمة Soft Power
يعتمد هذا المفهوم بشكل أساس على استمالة الدول وشعوبها بالإغراء والإقناع من خلال استخدام الدبلوماسية والمعلوماتية كالاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الدعم المالي والاقتصادي لإبراز القيم الديمقراطية وحريات التعبير لتحقيق أهداف معينة ورسم صور جاذبة
للمتلقي.
ويُعد استاذ العلوم السياسية جوزيف ناي أحد أهم رواد هذا
المفهوم.
3 - القوة الذكية Smart Power
وهو مفهوم يمزج مابين القوتين الصلبة والناعمة في رسم سياسات الدول الخارجية. وتعتبر الباحثة والمدافعة عن حقوق الانسان سوزان نوسيل أحد أهم رواد هذا
المفهوم.
برز مفهوم آخر للقوة طرحته الباحثة جيسيكا لودفيك في العام 2017، مشيرة الى مصطلح آخر هو “ القوة الحادة Sharp Power “ الذي يعارض في جوهره قيم الديمقراطية ويسعى لخلق نظام عالمي جديد من خلال محاولات دولة ما التلاعب الإعلامي وإدارة المعلومات المتعلقة بها في وسائل الإعلام، والأنظمة التعليمية لبلد آخر، بغرض إخفاء الحقائق أو تحويل الانتباه عن المعلومات السلبية داخلها او التضليل أو تشتيت الرأي العام في البلد
المستهدف.
مما تقدم أعلاه، نستنتج بأن هناك أربعة عناصر أساسية للقوة الوطنية هي؛ العسكرية Military والمعلوماتية Informational و الدبلوماسية Diplomatic والأقتصادية Economic ويطلق عليها اختصاراً باللغة الإنكليزية
DIME.
ترتكز هذه العناصر الاربعة بشكل أساس على أطر الابداع والابتكار والقدرة على التحليل، إضافة الى كفاءة وإخلاص المكلفين بمهام التخطيط والتنفيذ لتحقيق الأهداف و مواجهة التحديات.