خالد خليل هويدي
تنبأ أدونيس بعدم جدوى الاحتجاجات السورية، ومن ثمّ فشلها، وأرجع ذلك إلى أن هذه الاحتجاجات انطلقت من غير اماكنها الحقيقية التي تعهد الجامعة واحدة منها تؤشر هذه النبوءة إلى القيمة المعرفية التي تحظى بها الجامعة؛ بوصفها فضاء تنويريا يسعى إلى بث المعرفة بين الطلبة، مع تعزيز الجانب النقدي، الذي هو الغاية الأساسية في العملية التعليمية.
وأعتقد أن مسؤولية الأستاذ ليست مقصورة على طرح المعرفة الحقيقية، وإنما تتجاوزها إلى تعزيز الحضور النقدي والمراجعة الحقيقية لكل ماهو سائد، ومحاولة تفعيل النقد والمراجعة في المادة العلمية، فضلا عن الظواهر السلبية التي يمكن أن تكون حاضرة في المجتمع.
إنَّ الفعل النقدي للجامعة يجعلها في موقع المراقب والناقد لما يحدث في المجتمع وليس بالضرورة أن يكون هامشًا أو كاتب محضر للاجتماعات أو بوقا للمؤسسات أخرى مسكونة بهاجس الدفاع عن نفسها.
قبائلنا السياسية التي كانت وما زالت تتحكم بالواقع الثقافي لم تستطع، على الرغم من تاريخها ونضالها وتجربتها، احتمال خصوصية التجربة الجامعية، لذلك سعت إلى تدجينها وتمكّنت من تحويل الجامعة من ناقدة إلى خاضعة، ومن مصدرة لقيم المعرفة إلى مستهلكة للكثير من الممارسات غير المجدية وغير الموفية من هنا مثلاً يتحدث الناقد ياسين النصير عن ثنائية الصيانية والتدميرية، التي توفق بين الفكر الجدلي في معالجة النصوص والفلسفة العربية الإسلامية. فيقول متحدثا عن اللغة إن «اللغة العربية هي صيانية، أما الإبداع فيها فهو تدمير، الإبداع لا يلتزم باللغة، بل بالكلام والكلام أكثر إبداعاً. الصيانية والتدميرية مبدآن فكريان يقومان على الحركة بين اثنين: اللغة والكلام»
ويركّز منظرو المكان على هذه الثنائية في معالجتهم النقدية للمكان. وإذا ما استعرنا هذه الثنائية وسحبناها مفهوميا على الجامعة بوصفها مكانًا، يمكننا القول إن الجامعة هي بنية إبداعية، وليست بنية تحافظ على المألوف والشائع، وثمة فرقٌ كبير بين الاثنين.
لكن الذي يحصل الآن هو العكس تماما، فقد تخلّت الجامعة عن وظيفتها الاساسية، التي تحاول إعمال النقد والمراجعة لكل ما هو سائد، وتحولت للأسف إلى بنية صيانية، تسعى إلى المحافظة على المألوف والسائد والطبيعي، وأصبح الشعبي والعامي والسطحي والمستهلك هو السائد، أما النقد والتنوير والتحديث فأصبح ينتج خارج الجامعة، بعد أن تحولت جدرانها إلى حائط صدّ لكل ما هو نقدي وتنويري.