قدرات العقل الإبداعي

ثقافة 2021/02/02
...

د.علاء كريم 
مساحة الإبداع منطق منفتح على العقل لما له من دور في صناعة الشكل الفني، تحتاج هذه الآلية الى مرونة من أجل القيام بأشياء جديدة ومثيرة، لتبتعد عن التعقيدات التي تنزاح الى أن الفن الابداعي ثابت غير متحرك، مما يؤكد ذلك وجوب الانفتاح على العقل الباطن لما له من فعالية تدفع بالمبدع الى تنمية ومشاركة قدراته الابداعية ليكون أقرب نحو تحقيق الهدف.
 
ليست كل العقول متقاربة بالتفكير، ولا أحد يملك درجة الوعي نفسها أو الإبداع نفسه، وذلك لما للإبداع من درجات متفاوتة من شخص لآخر، فضلا عن احتواء العقل الإبداعي على البصيرة والعاطفة، وخصائص جمالية تكتسب قيما إبداعية لها دور في نشأة الأشكال وخلقها الجمالي.
يتميز المبدع بطاقة جسدية وعقلية تمكنه من العمل بنحو مختلف وبعيد عن الجميع، رغم أن الكثير من المبدعين لهم حقوق من ضمنها قدرتهم على العيش من إنتاجهم الإبداعي، وهذا يعد جزءا من معاناة المبدع وما يمر به من ظروف صعبة في أغلب الدول العربية.
الإبداع الملامس للعقل له أبعاد إيجابية كثيرة، رغم أن البعض يتهم من يقرأ كثيراً بأنه شخص فقدَ عقله، لكن بالعكس المبدع الذي يرتكز ويشتغل على العقل يكون ذكياً، فضلا عن أن هناك مبدعا يكون ذكاؤه أقل وليس بالضرورة أن يكون ذكياً، وهذا ما أكده: الباحث النفسي الشهير (Csikszentmihalyi) بأن هناك نقطة محددة للإبداع، كما أن وجود ذكاء أعلى من المتوسط يسهم في الإبداع.
ما تقدمت به من آراء تعد محاولة لتفسير الإبداع عبر النظرية السيكولوجية، والنظرية العقلية، رغم أن هناك من يؤكد فشل هذه النظريات في تفسير وتقييم الإبداع، لانها اخذت العقل من جانب واحد، ومن ثم نستنتج بعض الاسئلة المتضمنة، منشأ العمل الفني، ومرحلة التحول الإبداعي لدى المبدع، ولتتبع الإجابة عبر قدرات العقل الإبداعي داخل عملية التجدد والاكتشاف، نلاحظ أن منشأ العقل الإبداعي لا يأتي من قوة غيبية، لأن الإبداع ليس إلهاماً، فضلا عن أنه ليس من فكر او عقل منغلق، ولا من عقل جمعي، بل هو ناتج من الفنان أو الكاتب نفسه عبر ديناميكية التنامي العقلي وتفاعله مع البيئة الداخلية والخارجية على ضوء الأبعاد الاجتماعية والتاريخية والحضارية والثقافية، وما ترتكز عليه بذرة الإنسان الإبداعية داخل عقله، إذ يعد المبدع الحقيقي مرحا ومثابرا جداً، وذلك لأن اللحظات المرحة تعد واحدة من السمات المميزة للأشخاص المتفردين بالإبداع، وهذا ينطبق على سمة المثابرة والاجتهاد، عند العمل في مشروع ما، يميل المبدعون إلى إظهار الحرص وبذل الكثير من الجهود، لتكون هناك أيقونة على أن الشخص المبدع يدرك أن الإبداع الحقيقي ينطوي على الجمع بين المرح والعمل الجاد، وهذا ما يدفعه أيضا إلى الإفلات من الأحكام المتسلطة على فكره، لتكبر موهبته عبر القراءة والتمارين المستمرة حتى يختص بالجوانب الفنية والأدبية المتعددة، ومنها المسرح والموسيقى والرسم، ايضا في الشعر والرواية والقصة والنقد، قد ينجح بعضهم في شقّ طريقه نحو تحقيق الذات عبر الإبداع، وقد يتوقف البعض عن التواصل وذلك بسبب الشعور بالتهميش وعدم الاهتمام، أو بسبب التوقف عن القراءة ومتابعة كل ما هو جديد.
نستنتج من ذلك أن الإنسان يمتلك انفعالاً نفسياً، وعقلاً مدركاً، تتحول من خلالهما الإدراكات إلى معانٍ وصور جمالية، وذلك بتفاعل العقل الظاهري والباطني بوساطة قوة العقل الإبداعية، وهذا يستدعي تفاعل المدرك الحسي حتى تتم عملية تحفيز المبدع ليحقق ذاته المنفعلة، المدركة، لتتلاقح هذه المدركات الحسية ومن ثم تنتج معاني متعالية القيم لدفع الفنان نحو الإبداع والتطور الفكري.