د. نازك بدير
عرفت المجتمعات البشريّة العديد من الأزمات، واستطاع الإنسان في الأزمنة السّابقة التغلّب عليها تارة، والتّكيّف معها تارة أخرى. أمّا اليوم، وعلى الرّغم من الطّفرة التكنولوجيّة، يبدو أنّ المتغيّرات تسير بوتيرة تفوق سرعة الإنجازات العلميّة، وتاليًا، يجد الفرد نفسه عاجزًا عن»مجاراة» المستجدّات ولا سيّما الأوبئة، وبدلًا من تطويقها، يقع هو في طوقها، ويدور باحثًا عن باب الخلاص. تعمد الڤايروسات إلى تطوير سلالاتها، في حين يقف الإنسان عاجزًا أمامها، لا بل قد ينكسر في معركته متى كان ضعيف المناعة. والسّؤال، أيّ مناعة نحتاج لمواجهة المتغيّرات في عالم لا يمنح فرصة لمتقاعس؟ وهل يمكن كسْر كابح السّرعة لنتمكن من التكيّف مع أيام ضبابية مثقلة بالمفاجآت؟ فرَضَ «كوفيد- 19» الكثير من التقلّبات، لا من حيث فرْض التّباعد الاجتماعي وقواعد الوقاية فحسب، فهو أدّى- بطريقة غير مباشرة- إلى تبدّل جذريّ في حياة الإنسان، تراه يتخبّط في التكيّف معها، نتيجة عدم الاستعداد لها، كما أُلزِمَ بأولويّات مختلفة، ما يتطلّب إعادة برمجة مناحي العيش.
ما يظهر في الخارج من تعقيم أو من استخدام كمامة ليس سوى الغلاف الخارجي، وهي أمور من الواجب الدّائم الالتزام بها، لكن في العمق، ثمّة أزمة تتمثّل في الصّراع الذي لا يزال يعيشه المرء في التّكيّف مع المتغيّرات، خصوصًا أن سلالة (كوفيد- 19) لا تنفكّ تتطوّر( جنوب إفريقيا) وأعداد الموتى في ازدياد، إضافة إلى الآثار الجانبيّة للّقاح.
قد لا يكون من السّهولة بمكان، ولا سيّما على المتقدّمين في السّنّ، التّكيّف مع المستجدّات اليوميّة، بالتّزامن وتراجع الخدمات التمريضيّة والاستشفائيّة والعناية المنزليّة. فضلًا عن وجود فئة ثانية تواجه أزمة مضاعفة في التّكيّف، لعلّ سببها تجريدهم بشكل شبه كامل من عناصر مناعتهم النفسيّة والمعنويّة والعمليّة والحياتيّة والاقتصاديّة، وشلّ قدرتهم على التّفكير في إيجاد استراتيجيّات للخروج من المآزق المفروضة عليهم. إنّهم، والحال هذه، متروكون للقدر، سُلِبَ حقّهم في خلْق فرصة مناسبة لإيجاد حلّ، فُرِضَ عليهم الحجر حتى الاختناق. أثبت المواطن اللبنانيّ جدارته في التكيّف والصّمود خلال الحرب، لكن اليوم هو أمام اختبار من نوع آخر، فهل سينجح في التكيّف معه؟
أكاديميّة لبنانيّة