إليزابيث أوتكا
ترجمة: جمال جمعة
لقد ترنح الزومبي إلى مركز ثقافة الهالووين، بأزياء انتشرت بالسرعة التي انتشرت فيها الوحوش ذاتها. هذا العام، يمكنك أن ترتدي زي ملكة حفلات الزومبي الراقصة، أو الطبيبة الزومبي، بل وحتى الأرنب الزومبي أو شجرة الموز. وبالرغم من ذلك، فإن بزوغ الموتى الأحياء له صلة مدهشة مع زائر متكرر آخر في أكتوبر: فيروس الإنفلونزا.
قبل مئة عام، شهد عام 1919 نهاية واحد من أسوأ الطواعين في تاريخ البشرية: جائحة الإنفلونزا القاتلة 1918 ــ 1919. كانت الجائحة استعراض رعب حقيقي، إذ مات ما بين 50 ــ 100 مليون شخص وأصيب ملايين آخرون.
الولايات المتحدة وحدها فقدت في الجائحة عددًا من الناس أكثر بكثير مما خسرته في جميع حروب القرن العشرين والحادي والعشرين مجتمعين.
لم يكن هذا فيروسًا عاديًا للإنفلونزا: فقد فتك بالشباب البالغين بأعداد كبيرة، وكانت له آثار جانبية مروعة، مثل النزيف الحاد من الأنف والفم والأذنين. كان يمكنه أن يتلف الجهاز العصبي والتنفسي ويسبب اختلالاً عقلياً عنيفاً، وهيستريا و (في أعقابها) خمول عميق واكتئاب انتحاري.
حوّلت الجائحة المجتمعات إلى مناظر طبيعية مسكونة بالأرواح. نفدت التوابيت بينما تكدست الجثث في كل مكان. المتاجر، المسارح، والمدارس أغلقت أبوابها والعربات كانت تُجرّ عبر الشوارع لالتقاط الجثث. الجنازات كان غالبًا من المستحيل تنظيمها، وفي جميع أنحاء البلاد، تم حفر مقابر جماعية لاستيعاب الموتى
العديدين.
الصلة الزومبيّة
كيف اقترنت جائحة الانفلونزا بظهور الزومبي؟ قبل كل شيء، وصل مصطلح “الزومبي” إلى الولايات المتحدة على الأغلب عبر كتاب ويليام سيبروك (جزيرة السحر) عام 1929. كتب سيبروك، في كثير من الأحيان بعبارات عنصرية صارخة، عن مختلف الطقوس والتقاليد والقصص التي جمعها في هايتي.
قام بتضمين إحدى رواياته شخصية الزومبي، التي وصفها بأنها جثة منشورة تنبعث من الموت على يد شخصية متسلطة وتُجبر على القيام بأعمال استعبادية. ثم سرعان ما وجد تصوير مثل هذه الزومبيات طريقه إلى الأفلام الشهيرة مثل “الزومبي الأبيض، 1932”، أو “أوانجا، 1936”.
ومع ذلك، ظهرت سلالة مختلفة من المخلوقات الشبيهة بالزومبي في وقت سابق في أعمال كاتب الرعب هوارد لافكرافت. استبقت هذه الزومبيات تلك التي صوّرها جورج روميرو لاحقًا في أفلام مثل “ليلة الموتى الأحياء”: جثث دموية مترنحة، شعثاء، عازمة على إصابة الأحياء بالعدوى، وجائعة إلى اللحم البشري. الحاضنة المثالية لهذه “الزومبيات الفيروسية” كانت التجارب المريعة التي جلبتها جائحة الإنفلونزا إلى كل المجتمعات.
عالم جثث لافكرافت
في مسقط رأسه في بروفيدنس، في ولاية رود آيلاند، كان لافكرافت محاطًا بمناخ الجائحة المروع. كما يتذكر أحد الشهود المحليين: “جميع الناس من حولي كانوا يحتضرون... [و] منظّمو الجنازات عملوا بخوف... العديد من القبور كانت على شكل خنادق طويلة، والأجساد كانت توضع جنبًا إلى جنب”. كانت الجائحة، كما يقول الشاهد مفجوعًا “تترك في أعقابها أعدادًا لا تحصى من القتلى، والأحياء المصدومين من فقدانهم” (رسالة بقلم راسل بوث، أرشيف كولير، متحف الحرب الإمبراطوري، لندن).
قام لافكرافت بتوظيف هذا المناخ في قصصه عن تلك الفترة، فكتب حكايات مليئة بالجثث مع أجواء معدية يترنح فيها غزاة مفترسون يخلفون جثثًا دامية في أعقابهم.
في قصته “هربرت ويست: العائد إلى الحياة”، على سبيل المثال، يبتدع لافكرافت طبيبًا غُولانيّ ينوي إعادة إحياء الجثث الميتة حديثًا. ثمة جائحة تصل وتتيح له عيّنات طازجة، وهنا تتردد أصداء مشاهد ضحايا الإنفلونزا في المقابر الجماعية، والأطباء المنهكين، وأكوام الجثث.
وعندما يموت كبير الأطباء في المستشفى أثناء تفشي المرض، يعيد الدكتور ويست إحياءه، مما ينتج عنه شخصية زومبي بدائية تهرب لتعيث فساداً في البلدة. يتنقل الطبيب الميت الحيّ من منزل إلى منزل، ممزقاً الأجساد وناشراً الدمار، وتلك صيغة وحشية مرئية لما فعله فيروس الإنفلونزا في جميع أنحاء العالم.
العدوى، والتعصّب، والزومبي الفيروسيّ
في أحداث وقصص أخرى، توحي زومبيات لافكرافت البدائية بوجود خيط إضافي للتعصب يتخلل تقاليد الزومبي، خيط تغذيه مخاوف واسعة النطاق من العدوى أثناء
الجائحة.
حتى قبل اندلاع المرض، اعتقد لافكرافت أن حشود الغرباء كانت تلوّث العِرق الآري بشكل عام، وتوهن سلسلة النسب.
مشاعر كراهية الأجانب هذه تنسج طريقها قُدُماً في قصصه، إذ تمتزج العدوى والأجواء المتشربة بالوباء مع المخاوف العنصرية من المهاجرين والوافدين ذوي البشرة غير البيضاء. في الواقع، العديد من قصصه هي قوالب لا واعية لكيفية تضخّم المخاوف المتحيّزة بصورة إشكالية في أوقات الأزمات. مثل هذه المخاوف يتم استحضارها وغالبًا ما تُناقش في التصويرات اللاحقة لجحافل الزومبي الفيروسية، مثل الوحوش المُعدية في فيلم روميرو (ليلة الأحياء الموتى) وفي التعقيبات الدقيقة بشأن العنصرية في الفيلم، عندما تشتبه قوة الشرطة البيضاء بالشخصية الرئيسية الأميركية السوداء على أنها زومبي فيروسي.
مخاوفنا كوحوش
زومبيات لافكرافت البدائية قدمت كذلك معادلاً غريبًا لبعض أسوأ ذكريات الجائحة.
فهذه الوحوش مثلها مثل فيروس الانفلونزا تنهش لحوم الأحياء، تنشر الدم والعنف، وتتصرف من دون مسبب أو تفسير. لافكرافت يضمن لقرائه أن هذه الوحوش هي أسوأ بكثير من أي شيء رأوه في الحرب العالمية الأولى أو في الجائحة ــ التراجيديات المميزة لذلك العصر. وعلى عكس الفيروس، بالرغم منذ ذلك، فإن هذه الوحوش يمكن رؤيتها، وإيقافها، وقتلها ـ وإعادة دفنها. كل عقد سيحتاج كما يبدو إلى زومبيه الخاص، وقد قدّم لافكرافت لقرائه حكاية تتحدث بعمق عن مخاوف لحظته
الراهنة.
وعلى الرغم من أنك قد لا تكون مستعدًا لقيامة الزومبي في شهر أكتوبر، إلا أنه لا يزال بإمكانك الاستعداد لموسم الإنفلونزا المقبل. فإلى جانب زيّ زومبي شجرة الموز، تأكد من حصولك على لقاح الإنفلونزا.
The Conversation
* إليزابيث أوتكا أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة ريتشموند، الولايات المتحدة