البنية الدلاليَّة المشبَّعة بالصور في «حدائق العشق»

ثقافة 2021/02/03
...

 علوان السلمان
 
النص الشعري.. نتاج لغوي مفتوح الدلالة.. له مقوماته وفلسفته وغائيته ولغته الزئبقية الموحية.. ينسج عوالمه منتج (شاعر) واع ومتمكن من ادواته القنية.. برصده للحظة المشهدية المفارقة..   وباستحضار المجموعة الشعرية (حدائق العشق) التي نسجت عوالمها الحالمة منتجتها الشاعرة الكوردية الراحلة كزال ابراهيم خدر.. وترجمها عدد من الادباء الذين يجيدون اللغتين (العربية والكوردية).. واسهم في نشرها وانتشارها الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.. كونها نصوصا تحتفي بجماليات المكان والطبيعة والمرأة مع نزوع الى التصوير والسرد البصري الدال.
 وغنائية مستنبطة من المشهد الشعري الاستثنائي بتعبيراته عن حالات انسانية عميقة تتوارى ببوحها العشقي خلف المجازات اللغوية والالفاظ  الرامزة التي اسهمت في تصعيد التكنيك الشعري من حيث المبنى والمعنى والصورة والايقاع، فضلا عن تجذرها الاجتماعي والسياسي والتاريخي للوجود الكوردي مع تجاوزها القوالب الشعرية المتوارثة واعتماد الحداثة الشعرية متضامنة وشعراء مرحلتها (لطيف هلمت وشيركوبيكه س ورفيق صابر ...) وهي في أغلب نصوصها تؤكد ظاهرة انسانية لها جذورها التاريخية متمثلة بالعشق ببعديه الروحي والجسدي، ومقومات الطبيعة التي لازمت روحها فضلا عن هيمنة المنظور الصوفي في التصوير الشعري القائم على البنية السردية المتصيدة للحظات الحياتية رافعة راية العشق كي تتجاوز رتابة الحياة بخطوط متوهجة وروح انزياحية متأصلة ومكتنزة بالحب الذي هو (خروج عن الذات).. والقابض على اللحظة بسيميائيتها الدلالية والجمالية..
(اهديك ثلاث وردات من حدائق عشقي/ الاولى كي ترقص على يديك/ والثانية لشفتيك كي تغني بها/ والثالثة لعينيك حتى تمسح بها دموعك/ كي تعرف ان حديقتي/ لا توجد فيها يد لسفك الدماء/ لا توجد فيها شفة للغضب/ ولا توجد فيها عين
 للبكاء).
 فالنص يقوم على بناء مقطعي مؤتلف على المستوى الدلالي برؤى متآلفة بوحدتها العضوية مع تخصيب المعنى وتكثيفه عن طريق الاختزال، فضلا عن أن الشاعرة تبث مشاعرها الرومانسية الحالمة بضمير المتكلم ولغة الاعتراف الرافض للحروب في حضرة العاشق بتعبير يمازج ما بين الوجداني والحسي لخلق لوحة تشكيلية غارقة في الشعرية المعبرة عن ذات مسكونة بالعشق ونسج اللفظة المتشظية على اوتار قلب محتضن لظل عاشقة تتربع مساحته مكتظة بالخيال الخصب الخالق لنص قائم على المتضادات المتصارعة (امل موعود وقلق اطرته خارطة الحزن) وانبثق من بينهما نداء خفي يدعو للالتصاق والتوحد.. (افتح لي باب قلبك/ لكي اذوب في اعماقك)
 ص164.
فالنص يعتمد السرد الشعري المهيمن الاسلوبي الذي يحيل الى حوارية مركبة تتشكل من (الانا ـ الذات) والنفس، وقد تجلت فيه الروح الصوفية بلغة جمالية شفيفة، وألفاظ موحية.. مع تكثيف جملي، وتوحد مع المنظور الشعري والالتقاط الصوري المستفز للذات الجمعي الآخر.. عبر عملية استجلاء تكشف عن انفعالية الاشياء وديناميتها بصيغة رامزة للحياة وحركتها مع اعتماد تقنية تتوغل الى اقصى الاعماق الانسانية.. هذا يعني ان الشاعرة تتفاعل وجدانيا والآخر بتماه انساني مع تفجر جملها بتعبيرات مموسقة. 
محركة للخزانة الفكرية للمستهلك (المتلقي) من اجل استنطاق ما خلف صورها النابضة بالحب والحياة وجمال الطبيعة المؤنسن الذي اقترن بنصوصها اقترانا شرطيا نابعا من تموجات خيالها ونبض ضميرها والواقع المحيط بها، فضلا عن توظيفها تقنيات أسلوبية
 كالتكرارـ
 بدلالاته النفسية ـ اضفى على النص ايقاعا مضافا وتناغما موسيقيا وتوافقا صوتيا، وهناك الرمز الاداة الفكرية التي اسهمت في تصعيد التكنيك الشعري الذي يحول الصورة الشعرية (المرتكز الاساس لمنظومة النص الشعري) الى رؤيا..
  وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا تؤكد على الذات المكتنزة بالهم الانثوي الجمعي والعشق الصوفي الذي هو فعل نفسي واجتماعي ومظهر من مظاهر الذوبان في الآخر بلغة موشاة ببهاء الطبيعة والاساليب البلاغية (المجاز والاستعارة والتشبيه...) في تشكيل البنية الدلالية المشبعة
 بالصور.