علي كريم خضير
لقد ظلت ومنذ الأزل، فلسفة النظر إلى الموقع الجغرافي والبيئة تأخذ مسارا متصاعدا، وبكيفيات مختلفة، وقد تكون خبايا موضوعنا مركوزة بشكل أعمق في سوسيولوجيا الإجتماع، وطرائق التعامل، والقيم، والموروث للشعوب، الذي يلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي عامة
ولكن يبقى التعبير عن الحيثيات مثارا للجدل في الأروقة السياسية اليوم، لأن سياحة النظر في خارطة العالم تعطيك تصورا دقيقا، عن حجم المعاناة التي تبرز في مناطق الجنوب قياسا إلى مناطق الشمال. هذه الثقافة أخذت تتوالد بين الأجيال على سطح المعمورة، حتى أن أحد الروائيين العرب المشهورين وهو الطيب صالح عمد إلى عنونة رائعته بـ( موسم الهجرة إلى الشمال). إذا ماعلمنا بأن الشمال يحاكي مفهوم الحضارة الغربية المتطورة. وان الجنوب يحاكي البؤس، والشقاء، والحرمان، والفقر الذي يخيم على أبناء الشرق ، وكأن ذلك، قد اصبح قانونا سماويا لا يمكن المساس به، ومن المفارقات العجيبة التي أفرزتها طبيعة هذا العناء الكوني، بأن الجنوب هو مصدر الثروات، والطاقات البشرية، التي تسهم في رفد الدول بمقومات القوة، والثراء، والتطور على مختلف الصعد !.
وبنظرة إجمالية في مضامين الموازنات العراقية السابقة، نجد أن المحافظات الجنوبية حصرا لم تحظ باستحقاقاتها، ولو بشكل نسبي، إذا ما قايسنا حجم الوارادت الكبيرة التي تؤخذ من هذه المحافظات، لتوزع بدورها على الإقليم والمحافظات الأخرى، فمدينة البصرة لوحدها ( سلة عيش العراق)، هذه المدينة التي تكتظ بتواجد كبريات الشركات النفطية في العالم، لا تحظى وعبر سنوات طويلة بأبسط حقوقها في العيش، ولاتعوض عما فقدته من شروط صحية بسبب التلوث البيئي الذي عم أجواءها، فازدياد أعداد المرضى، وكثرة الحالات المستعصية يعودان بالنتجة الى هذا التلوث، وآثاره التي لم تشرع له القوانين الوقائية، والبرامج الصحية بغية المحافظة على صحة المواطن البصري، الذي بات شمعة تحترق ليسعد الآخرين، من دون الالتفات إلى حجم العطاء الذي يقدمه بلا أدنى مثوبة.
إن مطالبات نواب البصرة الأخيرة تحت قبة البرلمان، وإن جاءت متأخرة جدا، هي ظاهرة صحية في تثبيت دعائم مشروعية حقوق أبناء البصرة التي غدا ذكرها في الموازنات السابقة ( حبرا على ورق)، وبلا تفعيل حقيقي. الأمر نفسه الذي ينسحب على بقية المحافظات الجنوبية الأخرى ميسان، وذي قار، وواسط. إذ لم تنشغل الحكومات المتعاقبة بهموم أبنائها، مما ولد ذلك سخطا شعبيا عارما، كانت نتيجته غير موفقة أيضا. إذ ان حملة التعيينات الأخيرة بات المستفيد الأكبر منها ليس أبناء الجنوب وحدهم، بل ركب موجتها خلق كثير، لتبقى محافظاتهم البقرة الحلوب التي تدر، من أجل أن تصدق نبوءة الجنوب.