اتخذ الدكتور مصطفى رجوان في كتابه الصادر مؤخراً عن دار كنوز المعرفة في عمّان (في بَلاغَةِ الخِطَابِ.. مِنْ بديعِ اللَّفظِ إلى بديعِ التَّأويلِ) ستراتيجيتي التقابل والتساند كأداتين إجرائيتين من أجل تحليل الخطاب ووصف بلاغته، ليشتغل على نصوص تُمثّل نموذج الخطاب البليغ في الثقافة العربية، وهي على التراتب: القرآن الكريم، والشّعر القديم وشعر الحداثة. هذه النصوص التي كانت وما زالت مؤثرة في القارئ العربيّ ويشهدُ ببلاغتها إحساساً، غيرَ أنّه يسعى إلى وصفٍ بلاغيٍّ علميّ يبيّن القوة الخفية للخطاب البليغ، وكذلك بناهُ العميقة، والكشف عن دلالات جديدة، وإضفاء الانسجام على ما اختلف منه، وغيرها من الجوانب حسبَ ما تجودُ به العيّنة الإجرائية.
وفي تعريفه لستراتيجية التقابل، يشير رجوان إلى أنها ستراتيجية تخرج بالبلاغة من بلاغة الجملة (أو البيت) إلى بلاغة النص/ الخطاب. فلا تظلّ حبيسة ذلك المكون الصّغير، بل تنطلق لتشمل النص/ الخطاب كلّه لتمنح إمكانية تقابل كلّ شيء مع كلّ شيء. مبيناً أنَّ فهم الخطاب على نحو جيّد لا يتعلّق بفهم الجمل وتفكيك شفرات الكلمات ضمنَ متواليات متتابعة. تتم ستراتيجية التقابل على صعيد القراءات ما بعد الأولى، حيثُ الكلمات والوحدات اللغوية لا تكتسبُ معناها فقط عن طريق المجاورة وإنما تكتسبُ دلالات جديدة ومضافة عن طريق التقابل بأيّ شكلٍ من الأشكال في الحيز الذهني. ضم الكتاب ثلاثة فصول، الأول (أطر معرفية ونظرية) واحتوى على مدخل وأربعة مباحث، وهي: النص والخطاب والتأويل، في مفهوم البلاغة، الأسس المعرفية لتأويلية التقابل، لتّقابل والإدراك. وكان عنوان الفصل الثاني (في بلاغة القرآن) الذي كان بثلاثة مباحث: تقابلات الخطاب في سورة يوسف عليه السلام، التعاضد التقابلي في مقطع من سورة القصص، تقابلات الخطاب والحجاج في مقطع من سورة مريم. في حين احتوى الفصل الثالث (في بلاغة القصيدة) على ثلاثة مباحث: في بلاغة القصيدة، من التقابلات الجزئية في القصيدة إلى التقابل الكلي، قصيدة “لاعب النرد” لمحمود درويش (قراءة تقابلية)، تقابلات النص وبلاغة الخطاب في قصيدة «غرناطة».