صورة الأب.. صور الأسرة

ثقافة 2021/02/07
...

 حبيب السامر
 
تتأمل الصورة، الصور المعلقة على جدران غرفة الضيوف، أو في غرف أخرى، عند زيارتك لأحد الأصدقاء.. تبدأ رحلة الحديث عن زمن الصورة الذي قد تجده أسفلها واسم الاستوديو.. هذه الصورة التقطت في زمن بعيد للأب، الأم، أحد الأخوة، قد تكون الصورة صغيرة، أو كبيرة للأسرة وهي التي تملأ حيزاً واسعاً على أحد الجدران، أو على منضدة في زاوية من الغرف. 
وقتها يشتغل المتخيل الانساني في التذكر ونبش الذاكرة للحديث عن تاريخ الصورة ومكانها من خلال الخلفية الواضحة التي تجدها البحر ربما، أو امتدادات الجسور العملاقة، فضاءات الغابة من بعيد، شارع مهم وسط ضجة الحياة، وقد تكون في استوديو صامت، هادئ، إلا من صوت الغالق الضوئي.
هذه ما نجده كثيرا في بيوتنا، وتشدنا أكثر مهارة المصور الفوتوغرافي الذي أتقن اللقطة وحافظ على نسب كبيرة من الإضاءات.. أذكر جيداً حين كنا نذهب الى استوديو ستراك، قاسم، فينوس.. في سوق حنا الشيخ بعد أن نرتب أنفسنا جيدا، كي نحفل بلقطة مناسبة يقتنع فيها المصور خلف كامرته وعدساتها المتعددة، نجلس وعيوننا تنتظر حركة الغالق الضوئي.. يداعبنا بكلماته اللطيفة، كي تجعلنا نبتسم، لم يكتفِ بلقطة واحدة.. يكررها تباعا وبجلسات مغايرة ومتغيرة، ونظرة نحو يده التي يحاول من خلالها أن يبعد عنا رهبة اللقطة..
نعرف أن هناك مراحل عديدة بعد هذه اللقطة السحرية، تتضمن الكثير من الرتوش لتحميض الفيلم وغسله من الاحماض وتجفيفه، هذه الاجراءات التي تمر على النيكاتيف، وكثيرا ما نشاهد المصور الماهر يمسك قلماً صغيراً يعالج اللقطة بمهنية وحرفة عاليتين، كي تتحول بعد كل هذا الجهد الى صورة كبيرة تزين أمكنة مهمة في البيت بعد انتظار طويل، استهوتني هذه العملية متعددة اللقطات بالأسود والأبيض لكتابة قصيدة (ستوديو ستراك) التي وثقت فيها كل حركة وترقب ورهبة حتى نخرج بلقطة 
باسمة.
يقول بارت "أول شيء وجدته هو أن ما تنسخه الصورة الفوتوغرافية إلى ما لا نهاية لم يحدث سوى مرة واحدة: إنها تكرر ميكانيكيا ما لا يمكن أن يتكرر وجوديا، في الصورة لا يعبر الحدث مطلقا نحو شيء آخر: تعيد الصورة دائما الجزء الذي أحتاجه للكل الذي أراه، الصورة هي الخاص المطلق، والعرض الأسمى، باهتة وبشكل ما ساذجة، كما لا توجد صورة من دون شيء ما أو شخص ما."
مع عالمنا المتطور والمتسارع، بإمكاننا أن نوثق كل لحظة بصورة، نختصر فيها الزمن والمسافة ومن دون استحضارات مسبقة لصورة في مواقع واحداث متفاوتة.. لكن هل تحافظ هذه الصورة على بريقها، وطول انتظارها، والجهد المبذول لإتمام لقطة العمر.. تساؤلات مشروعة مع المحافظة على كينونة الصورة ورهبتها في الاستوديو..
العالم المدهش بثقافة التحولات اللحظية يضفي على حيواتنا التغييرات المستمرة بأنماط جديدة علينا أن ندخل في ميادينها بعينين، واحدة تتذكر اللقطة الماضية المعلقة على الجدران بالأسود والأبيض، والأخرى هذه الكثافة من الصور العديدة المحفوظة بـ (الفلاش ميموري) أو (السيدي) أو تجدها في (فولدر) على اللاب توب الخاص بك.. أيهما أكثر حميمية، تلك الصورة الفتوغرافية التي تمسح عنها غبارات الزمن كلما مرّ الوقت، أم الصور المحفوظة في الحاسوب 
والموبايل؟